تكنولوجيا

المعارف الأصلية والأدب الحديث.. السكان الأصليون يواجهون التهميش بكتابة الخيال العلمي

نظرا لأن أعمالهم غير ممثلة بشكل جيد في الأدب الروائي، يعيد المؤلفون من السكان الأصليين لأميركا وغيرها، تشكيل عوالمهم الخاصة المفقودة عبر الروايات وأدب الخيال العلمي لمواجهة المركزية الأوروبية التي تهمش ثقافتهم وتراثهم الأدبي.

وبينما يزداد الوعي بقضايا السكان الأصليين حول العالم، لا يزال قليلون فقط ينظرون باحترام وتقدير للثروة المعرفية لدى السكان الأصليين الذين تعرضت كثير من ثقافتهم للمحو أو دمرت بأكملها، بما في ذلك لغاتهم وعلومهم منذ عصر الاستكشافات الجغرافية واستعمار “العالم الجديد” في الأميركتين وأستراليا.

وبينما يتناول المؤرخون بمزيج من الإعجاب والتقدير رحلات الإيطالي كريستوفر كولومبوس الأربع عبر المحيط الأطلنطي كعمل استكشافي فتح العالم الجديد وأدى لاستعمار الأوروبيين للأميركيتين منذ نهاية القرن 15، لا يسلط الضوء على البشاعات التي رافقت هذا الاستكشاف مثل استعباد السكان الأصليين في سعيه للحصول على الذهب، وإخضاعه الوحشي لشعب التاينو مما أدى إلى انقراضهم، وبما في ذلك فقدان تراث ثقافي هائل من معارف السكان الأصليين.

خيال السكان الأصليين
غالبا ما يعتمد الأدب الخيالي للكتاب الأصليين على أساطير الأميركيين الأصليين والأمم الأولى والتقاليد السردية بطرق تغيّر الصور النمطية حول أدب وثقافات السكان الأصليين. ويكتسب المؤلفون اعترافا في ركن من العالم الأدبي كان تقليديا أبيض وذكوريا وأوروبيا، متجذرا في الأساطير الغربية.

وتقول ديمالين إن هناك دفعة كبيرة الآن لرواية قصص السكان الأصليين، مشيرة إلى أن “الطريقة الوحيدة التي أعرف بها من أنا وما هو مجتمعي، والطرق التي نعيش ونتكيف بها، هي القصص”.

مع اقتحام المزيد من المؤلفين الأصليين لهذه الأجناس الأدبية، كان هناك انفجار في الروايات والكوميديا ​​والروايات المصورة والقصص القصيرة من الكتاب الذين يمزجون الخيال العلمي والخيال مع الروايات الأصلية، ويكتبون كل شيء، من الحقائق البديلة “المنفلتة” إلى الرعب الخارق، وقصص نهاية العالم عن الانهيار البيئي.

وقالت غريس إل ديلون الأستاذة في برنامج دراسات الشعوب الأصلية بجامعة ولاية بورتلاند، التي حررت “المشي على الغيوم”، وهي مختارات من الخيال العلمي للسكان الأصليين نُشرت في عام 2012 “هناك الكثير من التنوع والكثير جدا من التجريب”.

وقال تومي أورانج، الذي وصلت روايته “هناك” إلى التصفيات النهائية لجائزة بوليتزر لعام 2019، إن الأهمية المتزايدة للمؤلفين الأصليين في الأدب تأخرت كثيرا “لم يعد مجرد مؤلف واحد من السكان الأصليين كل عام، ونظرا لتاريخ من عدم قدرتنا على رواية قصصنا، فإن الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه المجتمعات بحاجة إلى تعريفهم وإخبارهم بهذه الطريقة”.

يقول بعض المؤلفين إن الخيال العلمي وإعدادات الكتابة الخيالية تسمح لهم بإعادة تصور تجارب السكان الأصليين بطرق ليست ممكنة في الخيال الواقعي؛ وتوفر كتابة الروايات المستقبلية وبناء عوالم خيالية قدرا من الحرية لرواية القصص التي تبدو تجريبية ومبتكرة، ولا تثقلها تركة الإبادة الجماعية والاستعمار.

النجاة من الانقراض
ويقول رونهورس -أحد كتاب الخيال العلمي من السكان الأصليين- “لقد نجونا من انقراض كامل. وستصدر هذا الشهر رواية الكاتبة ليتل بادجر الأولى بعنوان “إيلاتسو”، وهي خيال شاب عن فتاة اسمها من شعب ليبان أباتشي تبلغ من العمر 17 عاما يمكنها إيقاظ أشباح الحيوانات النافقة وتنطلق لحل مشكلة قتل ابن عمها.

وتقول ليتل بادجر، وهي كاتبة من السكان الأصليين تبلغ من العمر 32 عاما وعضو في قبيلة ليبان أباتشي في تكساس، إنها أرادت أن تكتب عن شخصيات شابة من السكان الأصليين في أمريكا البديلة والمليئة بالسحر والمعاصرة؛ لأن الكثير من القصص الخيالية التي تصور الشخصيات الأصلية هي قصص تاريخية وتشعر بأنها قديمة.

وتضيف “في كثير من الأحيان عندما تكون هناك شخصية رئيسية من السكان الأصليين في جنوب غرب الولايات المتحدة، الذين يعرفون بشعب الأباتشي، وتدور أحداث القصة في القرن ١٩، يبدو الأمر كما لو كان في الخيال، يعتقد الناس أننا لم ننج، لكننا نجونا، وما زلنا مزدهرين”.

بالنسبة إلى المؤلفين من السكان الأصليين، فإن كتابتهم قصص الخيال العلمي والفانتازيا لا تتعلق فقط بالحصول على الشهرة والشعبية والانتشار، بل يعد أدبهم جزءا من جهد أوسع للتغلب على قرون من التحريف الثقافي.

وتقول ديبي ريس، التي أسست موقع أدب أطفال الهنود الأميركيين إن “ما يعرفه معظم الناس عن السكان الأصليين تم إنشاؤه بواسطة أشخاص آخرين؛ لذا فليس من المستغرب أن يكون خطأ”.

وفي حين أن الكتاب من السكان الأصليين لا يزالون ممثلين تمثيلا ناقصا في عالم الأدب، لا سيما في الروايات الخيالية، فإن أعمالهم لها تأثير هائل. فقد فازت رونهورس بجائزتين من أكثر الجوائز المرموقة في هذا النوع، وهما: جائزة هوغو وجائزة نبيولا عن قصتها القصيرة لعام 2017 “مرحبا بك في تجربتك الهندية الأصيلة”.

وفازت رواية ديمالاين “لصوص مخ العظام، التي تتكشف عن مستقبل بائس حيث يتم البحث عن السكان الأصليين من أجل نخاع عظامهم، بـ “جائزة كيركوس” لأدب الشباب، ويتم تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني. ووقعت هي ورونهورس صفقات لكتب عديدة مع دور النشر الكبرى في السنوات الأخيرة.

ويقدم أدب السكان الأصليين العديد من الطرق البديلة لرؤية العالم، وتسهم الثقافات الأصلية التي طورت لغاتها ومفاهيمها الخاصة في المعرفة الإنسانية المشتركة؛ لكن إهمال هذه اللغات والثقافات الأصلية والتعامل معها على أنها بلا قيمة يجعلنا نفقد معارف مهمة تطورت عبر آلاف السنين.

مقالات ذات صلة