اراء و أفكـار

موسكو تجرب حظها

منذ مدة وموسكو تحاول العمل على تحقيق مصالحة بين حركتي «فتح» و«حماس» وإنهاء الانقسام الفلسطيني الذي دخل عامه الحادي عشر، لعلها تتمكن من القيام بدور في تسوية للقضية الفلسطينية على أنقاض «صفقة القرن» الأمريكية التي ترى أنها لا تقدم حلاً، إنما تكرّس الاحتلال «الإسرائيلي» من دون أن تعطي للفلسطينيين شيئاّ.
موسكو ترى أن لا أمل ب«صفقة القرن» التي يلوّح بها الجانب الأمريكي منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لأنها غير متوازنة ومرفوضة تماماً من كل الأطراف الفلسطينية، كما أن العرب ينظرون إليها بريبة وشك لأنها تتجاوز كل قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وأيضاً مبادرة السلام العربية الموقعة في قمة بيروت العام 2002. لذلك تراهن موسكو على أن بإمكانها أن تقوم بدور من خلال علاقاتها الإيجابية مع العرب والفلسطينيين والجانب «الإسرائيلي» لعلها تحقق اختراقاً في جدار الأزمة لا تستطيعه «صفقة القرن».
وموسكو ترى أن شرط نجاح مبادرتها هو تحقيق مصالحة فلسطينية تنهي الانقسام، كمقدمة للوصول إلى موقف فلسطيني موحد تجاه الحل، لأن استمرار الانقسام وتفاقمه سوف يتركان القضية من دون حل، ويتركان الجانب الأمريكي وحده يفرض رؤيته للحل وفق المصلحة «الإسرائيلية» فقط، وأن لا أمل للجانب الفلسطيني في مواجهة الحل الأمريكي إلا بالتوصل إلى اتفاق للمصالحة.
تأمل موسكو من خلال ثقلها السياسي ودورها الإقليمي أن تحقق نجاحاً في مهمتها الجديدة من خلال الدعوة إلى حوار فلسطيني – فلسطيني يشمل كل الفصائل يومي 13 و14 فبراير (شباط) المقبل، وتتولى هي احتضانه وإدارته، وتراهن في ذلك على إدراك فلسطيني بأن «لقاء موسكو» فرصة لجمع الشمل وإنقاذ القضية التي تواجه تصفية حقيقية من خلال ما اتخذته واشنطن من خطوات بشأن القدس واللاجئين، إضافة إلى الحصار السياسي والمالي للسلطة الفلسطينية. موسكو تدرك تماماً أن الفلسطينيين وحدهم من يستطيعون أن يسقطوا «صفقة القرن» أو يوفروا لها فرص النجاح. المهمة ليست هينة أو سهلة، فالانقسام تعمّق كثيراً، والشكوك وانعدام الثقة بين طرفي الأزمة «فتح» و«حماس» لا تحتاج إلى برهان، وخطوات التباعد ذهبت بعيداً إلى حد التخوين، وارتفاع جدران الكراهية بين الطرفين، وانعكاس ذلك على الشعب الواحد في شطري الوطن (الضفة والقطاع).
كثيرة هي المحاولات العربية التي بُذلت للمّ الشمل وتحقيق المصالحة، ولكنها فشلت، بدءاً من «وثيقة الأسرى» و«إعلان صنعاء» و«اتفاقية القاهرة الأولى»، و«اتفاقية مكة» و«اتفاقية الدوحة»، ثم «اتفاقية القاهرة الثانية»، و«اتفاقية الشاطئ»، وأخيراً «اتفاقية القاهرة الثالثة». كل هذه الاتفاقيات كانت في الواقع شكلاً من أشكال التضليل لكسب الوقت وتكريس الانقسام من جانب قيادتي الطرفين اللذين يمسكان برقبة الشعب الفلسطيني وقضيته، ويدعيان أحقية تمثيله.
موسكو تفتح أبوابها للمصالحة الفلسطينية، فهل يكون أهل القضية وأصحابها على قدر المسؤولية ولو لمرة واحدة؟

“الخليج”

مقالات ذات صلة