اراء و أفكـار

نظام عربي جديد

أثبتت السنوات القليلة الماضية، خصوصاً منذ تصدير ما يسمى «الربيع العربي» إلى منطقتنا، أن النظام العربي الذي قام بعد الحرب العالمية الثانية والذي تمثله جامعة الدول العربية، بمؤسساتها المختلفة السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية، يحتاج إلى إعادة نظر، ومراجعة، وإعادة هيكلة، لأنه نظام لا يجوز الاعتماد عليه، أو الاعتداد به لمواجهة التحديات والمخاطر التي تواجهها الأمة العربية.
هو نظام ضعيف لا يرتقي إلى مستوى التحديات والمتغيرات الداخلية الإقليمية والعالمية، إذ لم يستطع ميثاق الجامعة العربية أن يشكل قاعدة يمكن البناء عليها للارتقاء بالعمل العربي المشترك نحو التكامل السياسي، والاقتصادي، والأمني، ولا كان قادراً على مواجهة التهديدات التي تتعرض لها الأمة العربية، خصوصاً تلك المتمثلة في الوجود «الإسرائيلي» الذي ينتهك المقدسات العربية والإسلامية، ولا التدخلات الإقليمية، والدولية، السياسية والعسكرية.
بعض هذه التدخلات وصل إلى حد التعدي على دول عربية، واحتلال أجزاء من أراضيها، تحت ذرائع وحجج منافية لعلاقات حسن الجوار، والقوانين الدولية، بل إن دولاً عربية تعرضت للاحتلال الأجنبي، كما كان حال العراق، وكان النظام العربي غائباً، أو مغيّباً، أو مشاركاً بالصمت، أو الفعل.
حتى في مواجهة الإرهاب الذي فتك بالعديد من الدول العربية، ودمرها، وحوّل بعضها إلى أنقاض، أو إلى دول مشوهة، وممزقة، كان النظام العربي شاهد زور، أو مشلولاً يلوك فشله، ولم يتمكن من القيام بأي فعل، وترك هذه الدول ساحة صراع للدول الإقليمية والدولية التي تسعى للسيطرة والهيمنة على مقدرات الأمة، وترسم الخرائط، وتقدم الحلول.
أي بؤس هذا الذي نعيشه؟ وأي مصير ينتظرنا ونحن نشاهد أوطاناً تُذبح، وحقوقاً تُسلب، وحدوداً تُنتهك، ونحن نتفرج، أو نكتفي ببيانات استنكار وشجب سخيفة لا تليق بأمة تمتد من المحيط إلى الخليج، يعيش فيها أكثر من ثلاثمئة وخمسين مليون نسمة؟
عادة ما تحفّز التحديات والمخاطر إلى رد فعل إيجابي يقوي من العزيمة، ويحث على العمل، ويعزز من القوة والإرادة، ويقود إلى التوحد والعمل المشترك انطلاقاً من الفعل ورد الفعل، أو ما يعرف بالتحدي والاستجابة، وهو ما لجأت إليه شعوب وأمم كثيرة عندما واجهت المخاطر، للذود عن نفسها، وحماية وجودها.
أما نحن، فنغطّ في سبات عميق، أو ننتظر الفرج من الغيب، أو نتهرب من تحمل المسؤولية، كأن ما يجري على أرضنا يجري على أرض الغير.
ولأن النظام العربي بات ضعيفاً إلى هذا الحد، لا بد من نظام آخر يمكنه إصلاح هذا الخراب. نظام عربي يتعلم من تجارب الآخرين كيف يواجهون التحديات بالعمل المشترك، وتجاوز الخلافات البينية، والاختلافات السياسية، والثقافية، والعرقية. نظام يتكيف مع التحولات الدولية وفقاً للمصلحة العربية العليا، ويعلي من شأن الهوية الجامعة بدلاً من الهويات الفرعية، أو الهامشية، ويضع مصلحة المواطن فوق أية مصلحة، ويؤمن بحقه في الحرية، والمساواة، والعدالة الاجتماعية، والاختيار الحر.

“الخليج”

مقالات ذات صلة