اراء و أفكـار

تعطيش العراق

ليست المرة الأولى التي تقدم فيها تركيا على قطع مياه دجلة عن العراق، فقد فعلت ذلك العام 1989 عندما بدأت ببناء 22 سداً على نهري الفرات ودجلة، أكبرها «سد أتاتورك» كجزء من مشروع الغاب بسعة 48 مليار متر مكعب، يومها أصاب الجفاف مساحات واسعة من أراضي العراق وسوريا، وأنشئ السد، وامتلأ ولم يفعل البلدان شيئاً.
كانت حجة تركيا يومها أنها دولة المنبع ويحق لها التحكم في مياههما، أي أن النهرين تركيين يعبران الحدود، ومياههما مياه عابرة للحدود بخلاف ما هما عليه، بموجب قانون مجاري الأنهار الدولي المقر والمصادق عليه والنافذ منذ أغسطس/‏ آب 2014.
اليوم تكرر تركيا ما كانت فعلته قبل 29 عاماً، فهي تقوم بتعبئة سد «أليسو» على نهر دجلة، الأمر الذي يتسبب بحرمان العراق من 11 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، وهذا أكثر من نصف كمية المياه التي تدخل العراق (21 مليون متر مكعب).
ماذا جرى نتيجة ذلك؟
نهر دجلة تحول إلى ما يشبه الساقية، وبات بالإمكان عبوره في بعض الأماكن مشياً على الأقدام، ما يعني أن هناك كارثة زراعية وإنسانية تطل على العراق، خصوصاً أن إيران من جانبها عمدت إلى قطع مياه نهر «الزاب الصغير» عن محافظة السليمانية في الشمال، ما تسبب بأزمة في توفير مياه الشرب، بادعاء الحاجة لإرواء بعض المناطق الزراعية في غرب إيران. يذكر أن كمية المياه التي تصل إلى العراق من إيران تقدر ب21 في المئة، في حين أن المتبقي مصدره تركيا.
وهكذا يبدو العراق بين المطرقة التركية، والسندان الإيراني، فيما هو على أبواب كارثة لا يستطيع أن يفعل شيئاً معها، إما بسبب عدم القدرة على مواجهة الأمر منفرداً ، وإما بسب فقدان الخطط والمشاريع الخاصة بإقامة السدود على طول مجرى النهرين، إذ إن آخر سدين أقيما في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، وهما سد الموصل، وسد الثرثار، حتى إن سد الموصل يعاني مشكلة بنيوية بسبب عدم الصيانة.
تركيا وإيران تتصرفان بما يتناقض والقوانين الدولية التي تحدد وسائل الاستفادة من الأنهار العابرة للدول، جراء عجز عربي عن المواجهة، وعدم وجود خطط عربية جماعية، أو استراتيجية موحدة لمواجهة المخاطر التي تهدد الأمن المائي العربي، خصوصاً أن معظم مصادر المياه العربية تنبع من خارج منطقتنا، ما يضع كل الدول العربية رهينة ابتزاز قوى أجنبية، بهدف إخضاعنا لأجنداتها السياسية، وهو الحال الذي تعانيه مصر مع نهر النيل، وسوريا والعراق مع نهري دجلة والفرات. إضافة إلى أن معظم الدول العربية تقع في مناطق صحراوية، أو تفتقر إلى الينابيع، ما يضعها في صف الدول المهددة بالعطش.
المياه، مثلها مثل القضايا الوطنية والقومية الأخرى، نتعامل معها بخفة، وعدم اكتراث، وفي أحيان كثيرة بإسفاف وفهلوة.

“الخليج”

مقالات ذات صلة