اراء و أفكـار

دويلة مارقة

عندما وضع الكاتب والمؤرخ الأمريكي البارز وليام بلوم كتابه «الدولة المارقة» عام 2002، تحدث فيه فقط عن «مآثر» السياسة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية من خلال الحروب والمؤامرات التي شملت العالم، وأبرز التناقض بين ما تدعو له واشنطن رسمياً، وما تقوم به على أرض الواقع.
وعندما قدم الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا تعريفاً ل«الدولة المارقة» في مقال نشرته جريدة لوموند دبلوماتيك العام 2003، بأنها «الدولة التي تمارس التعسف في سياساتها باستخدام سلطتها النابعة من قوتها، وتتجاهل القانون الدولي وتتجاوز شرعة حقوق الإنسان»، إنما كان يقدم الأساس الذي تقوم عليه «الدولة المارقة».
في ما قاله بلوم، وما حدده دريدا حول «الدولة المارقة»، تشكل «إسرائيل» قاسماً مشتركاً بينهما هو الحروب والمؤامرات والخروج على القانون الدولي وانتهاك شرعة حقوق الإنسان، والشرعية الدولية.
خلال الأسابيع الأخيرة وفي ذروة مسيرات العودة الفلسطينية احتجاجاً على قرار إدارة ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس المحتلة، ولمناسبة الذكرى السبعين للنكبة، ارتكبت «إسرائيل» مذابح ترقى إلى مستوى «جرائم الحرب» بمباركة أمريكية، أدت إلى استنفار دولي وعربي وإسلامي لمواجهة هذا السلوك العدواني.
في الأمم المتحدة عطلت الولايات المتحدة كما عادتها قراراً لمجلس الأمن يدين الجرائم التي ارتكبت بحق المتظاهرين الفلسطينيين السلميين ويدعو لتحقيق «شفاف». وعقد اجتماع استثنائي لوزراء الخارجية العرب بحثوا فيه الإجراءات العربية لمواجهة الموقفين الأمريكي و«الإسرائيلي»، وعقدت قمة إسلامية طارئة في إسطنبول هي الثانية خلال ستة أشهر أكدت على بطلان الخطوة الأمريكية، واعتبار القدس مدينة إسلامية – عربية، وعاصمة للدولة الفلسطينية.
لكن اجتماع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة كان مميزاً، إذ قرر تشكيل لجنة تحقيق دولية في المجازر التي ارتكبتها «إسرائيل». وحدهما الولايات المتحدة وأستراليا وقفتا ضد الإرادة الدولية. وردت «إسرائيل» بأنها ترفض قرار مجلس حقوق الإنسان الذي يسيطر عليه «النفاق والعبث»، حسب بيان وزارة الخارجية. كما سبق لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أن وصف مجلس حقوق الإنسان بأنه «متلون ومنافق» وهدفه «مهاجمة إسرائيل وحماية الإرهاب»(!)، أما وزير الحرب ليبرمان فاعتبر أن «إسرائيل» تتعرض «لهجوم مزدوج، هجوم إرهابي من غزة، وحملة نفاق من مجلس حقوق الإنسان». بدوره هاجم وزير التربية نفتالي بينيت القرار، واتهم مجلس حقوق الإنسان بأنه «يروّج ويشجع الإرهاب المسلم»(!)
علام يدل ذلك؟
نحن أمام دويلة معطوبة القيم، وخارج السياق الأخلاقي والإنساني، وهي تترجم حرفياً في سلوكها معنى «الدول المارقة» أو «الدولة الشاذة»، لإصرارها على الخروج عن الإجماع الدولي وانتهاك الشرعية الدولية وقراراتها والاستهزاء بها.
ليست المرة الأولى التي تتحدى فيها هذه الدويلة المجتمع الدولي، فهي دأبت على ذلك منذ وجودها على أرض فلسطين نبتة شيطانية غريبة قبل سبعين عاماً، لأنها مصفحة بقوة أمريكية غاشمة وبدعم لا محدود يوفر لها مظلة تمكنها من العدوان وارتكاب الجرائم بلا حساب أو عقاب. “الخليج”

مقالات ذات صلة