ماذا تفعلين مع طفلك عندما يرفض تناول الأطعمة الصحية؟
إن العديد من الآباء يشتكون من رفض أبنائهم تناول الأنواع المختلفة من الخضروات، على غرار الزيتون وكرنب بروكسل والكزبرة، التي من المفترض ألا يخلو منها أي طعام حتى سن البلوغ. وفي حين يحب بعض الأطفال هذه الأطعمة، يرفض البعض الآخر تذوقها.
ولكن لسائل أن يسأل، لماذا يمتلك الأطفال حاسة تذوق مختلفة عن حاسة تذوق البالغين؟ وهل يؤثر تعليمنا أو جيناتنا الوراثية على المذاق الذي نفضله؟ ولماذا تتغير تعابير وجوهنا عند تذوق طعم ما لم يعجبنا؟ في الواقع، حاول العديد من العلماء بحث هذا الأمر؛ للوقوف على الأسباب.
وأوردت الصحيفة أن العالم مايك بيرينس، الذي يلقب بأستاذ دراسة الحواس، أكد أنه على الرغم من أن حاسة التذوق تعدّ أقل الحواس أهمية، إلا أنه من دونها قد تنقرض البشرية.
وذكرت الصحيفة أن العلماء يقسمون الطعام الذي يتذوقه اللسان إلى خمسة أطعمة أساسية، هي الحلو والحامض والمر والمالح والأومامي، والمقصود به “الطعام اللذيذ”. وأفاد بيرينس بأنه منذ سنة 2000، يقول بعض الذواقة أن هناك نكهات أخرى يمكن إضافتها، على غرار الدهني والمعدني والمائي. كما أوضح بيرنيس أن نكهة الطعام تختلف من شخص لآخر.
وأبرزت الصحيفة أن سبب ميل الإنسان للبيتزا والمعكرونة والحلوى يعود إلى المستقبلات الحسية في جسم الإنسان. فعادة ما تعدّ هذه المستقبلات الحسية الأطعمة الغنية بالطاقة حلوة المذاق وتدفع جسم الإنسان لتقبلها، على الرغم من احتوائها على كمية كبيرة من الكربوهيدرات. في المقابل، من النادر أن نجد أطعمة تنتجها الطبيعة وغير مضرة بالصحة، وفي الوقت ذاته حلوة المذاق.
ونوهت الصحيفة بأن الإنسان ينفر من الخضراوات لأنها مرة المذاق، على غرار القرنبيط الأخضر أو كرنب بروكسل. فبمجرد تناول الأطعمة المرة أو الأحماض ترسل المستقبلات الحسية إشارة للمخ عن احتمال وجود طعام فاسد، ما يفسر انكماش وجه الأطفال عند تناول الليمون مثلا.
والجدير بالذكر أن الطعم المر للنباتات غير الضارة عبارة عن وسيلة دفاعية أنتجتها النباتات من أجل حماية نفسها ضد الحيوانات المفترسة والبشر. وفي هذه الحالة، على جسم الإنسان أن يتعلم أن الطعام المر أو غير الحامض غير ضار.
وأوردت الصحيفة أن عالمة الأعصاب كاثرين أوهلا شرحت كيف تجري عملية تعلم الجسم، وحاولت أن تبحث في لغز تفضيل الأشخاص لأطعمة دون غيرها. وأكدت أوهلا أن الطعام لا يعتمد على المذاق فحسب، وإنما يجب أخذ الشكل العام للطعام بعين الاعتبار، ثم النكهات التي تضاف إليه التي تستقبلها حاسة الشم. فالنكهات الإضافية تغير من ملمس الطعام، وتجعله قوامه إما رخوا أو صلبا أو مقرمشا.
وبينت الصحيفة أن الأشخاص يتفاعلون مع رائحة الطعام وملمسه ومذاقه، وهنا يظهر الفرق بين المذاق والنكهة. ولأننا نتحدث عن تفاعل بين الحواس أثناء تناول الطعام، فمن الأفضل قول “نكهة الطعام” وليس مذاقه. فعلى سبيل المثال، يعرض بعض الأشخاص عن تناول الطماطم بسبب لبها اللزج. وبالنسبة للدماغ، عندما تتحول بعض الأطعمة للحالة اللزجة أو الدهنية، فذلك دليل على أنها لم تعد صالحة للأكل.
وأضافت الصحيفة أن رائحة الطعام قد تكون السبب الأساسي في تناوله وتفضيل مذاقه، لذلك توجد بعض الروائح التي يفضلها البعض، بينما لا يطيقها البعض الآخر. فلأي مدى يستطيع الإنسان تقبل نكهة جديدة غير معروفة بالنسبة له؟ في الحقيقة، يوجد نوع من الرهاب، يسمى “رهاب الجديد”، وهو الخوف من الأشياء الجديدة، وهو يعد بمثابة آلية دفاعية لدى الجسم، وغالبا ما تظهر عند تناول الطعام.
وأوضحت الصحيفة أن الأطفال يجب أن يتعلموا أن القنبيط الأخضر وكرنب بروكسل لا يشكلان أي خطر عليهم. وفي هذا الصدد، تؤكد أوهلا أنه “يجب إجبار الأطفال على تناول الأطعمة الجديدة غير المعروفة بالنسبة لهم من سبع إلى ثماني مرات، حتى يقبلوا بتناولها”. وبذلك، يتدرب الدماغ على أن هذه الأطعمة غير ضارة، ثم يتقبلها على الرغم من طعمها المر.
وأشارت الصحيفة إلى أن عملية التعلم تبدأ قبل ولادة الطفل. وأثبتت الباحثة في مركز مونيل للحواس الكيميائية في فيلادلفيا، جولي منيلا، أن ما تتناوله الأم أثناء الحمل والولادة يؤثر بصورة كبيرة على تقبل الطفل للأطعمة المرّة. وقد كشفت التجربة أن الأطفال الذين تناولت أمهاتهم البصل والقنبيط الأخضر وكرنب بروكسل أثناء فترة الحمل والرضاعة، كان لديهم مخاوف أقل تجاه الخضراوات المرة.
ونقلت الصحيفة عن أوهلا أن “سلوك الأبوين في التربية يلعب دورا هاما، إذ يجب مكافأة الطفل بالحلوى بعد تناوله للخضراوات الصحية”. كما أكدت الباحثة أوهلا أن الثقافة الغذائية للمجتمع لها دور بارز أيضا في تفضيلاتنا، وهذا يفسر عشق الألمان لجبنة هارتسر. وعموما، يستطيع البالغون تدريب أنفسهم، على غرار الأطفال، بتناول الأطعمة التي يكرهونها عدة مرات؛ حتى يتعلم الجسم أنها مفيدة.
وأفادت الصحيفة بأن بعض العلماء أكدوا أن التعود على المذاق غير المعروف لا يأتي من خلال تذوق الطعام عدة مرات فحسب. ففي بعض الأحيان، يكون الإنسان مصابا بالتهاب معد معوي، وهو ما يطلق عليه اسم “متلازمة صوص برنيز”، ما يحول دون تناوله لبعض الأطعمة. ولكن هذه الحالة قد تكون مؤقتة، ومن الممكن أن يتناول الإنسان هذه الأطعمة الجديدة فيما بعد.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن آخر الأبحاث أثبتت أن المستقبلات الحسية للطعام لا توجد في اللسان فحسب، بل في الجسد كله، فبعضها موجود في المعدة، وبعضها في أعضاء أخرى. وقد أثارت هذه الأبحاث ضجة كبيرة في أوساط علماء الحواس.