اراء و أفكـار

«القيامة» و«الأقصى» توأمان!

نبحث في ثنايا كتب التاريخ فلا نجد أن كنيسة القيامة أقفلت يوماً أبوابها. المرة الوحيدة كانت يوم الأحد الفائت، فلا أحد قرع أجراسها أو دخلها للصلاة وأشعل الشموع. تلفعت بالسواد، كما المسجد الأقصى كأنهما توأمان، يبكيان على حالهما في ظل الاحتلال الذي سرق الأحلام والجدران والأسماء والصلبان والأهلة.
تم إغلاق كنيسة السيد المسيح، الفدائي الأول ابن فلسطين، لأن الحاكم اليهودي يريد أن يفرض عليها «الخوة» التي تبلغ ملايين الدولارات، تحت مسمى «ضريبة الأملاك» (الأرنونا)، في انتهاك واضح للالتزامات الدولية التي تضمن حقوق الكنائس وامتيازاتها، بما يهدد الوجود المسيحي على أرض فلسطين، بل هو في الواقع محاولة مفضوحة لتهجير ما تبقى من العرب المسيحيين.
اللافت أن إغلاق كنيسة القيامة تم في يوم تعرض فيه المسجد الأقصى أيضاً لعملية تدنيس مقصودة من جانب مجموعة من المستوطنين استباحوا ساحاته بحماية من شرطة الاحتلال، وبمشاركة زوجة النائب في الكونجرس الأمريكي سكوت تيبتون التي دعت إلى «السيطرة على المسجد الأقصى وإزالته واستبداله بمعبد يهودي».
كل المقدسات الإسلامية والمسيحية باتت في مرمى التهويد، لا فرق بين كنيسة ومسجد، لا يهم إن كان المكان مسرى لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، أو مرقداً لنبي الله عيسى. عليه السلام، لم يعد هناك من خط فاصل بين المباح والمحرم.
إن التصعيد «الإسرائيلي» ضد المقدسات الإسلامية والمسيحية يتزامن مع قرار الإدارة الأمريكية الاعتراف بالقدس عاصمة لدويلة الاحتلال، ونقل السفارة الأمريكية إليها، وأيضاً مع الهجمة غير المسبوقة لتهويد المدينة، وتغيير معالمها وأسماء شوارعها وساحاتها ومعالمها التاريخية، بعدما أعلن ترامب أن «القدس أصبحت خارج المفاوضات»، أي إنه أعطى صكاً أمريكيا بتهويد المدينة، رغما عن أهلها وكل العرب والمسلمين.
إذا كانت «إسرائيل» تتذرع بضرائب متأخرة على كنيسة القيامة والمؤسسات المسيحية تصل إلى 190 مليون دولار، فالسؤال البديهي هو: هل تفرض «إسرائيل» مثل هذه الضرائب على الكنس والمعابد اليهودية، وعلى المدارس التلمودية وغيرها؟
كل الكنس والمعابد والمدارس معفاة من الضرائب، بل هي تتلقى مساعدات مادية سنوية من الميزانية العامة، من أجل تثبيت وتعزيز دورها في خدمة الدولة والفكر اليهودي العنصري.
هناك خشية فعلية أن تقوم سلطات الاحتلال بمصادرة ممتلكات الكنيسة بحجة عدم دفع الضرائب، وكأن «إسرائيل» تقوم بما قامت به دول أوروبية عديدة ضد اليهود خلال فترة مظلمة من تاريخ أوروبا. أي إن الشعب الفلسطيني يتحول إلى ضحية الضحية في عصر مختلف يتحدث فيه العالم عن حقوق الإنسان والحرية الدينية والتعددية الثقافية والتسامح والتعايش والحوار.. وكلها مصطلحات لا وجود لها في القاموس «الإسرائيلي» وترجمته الأمريكية.

“الخليج”

مقالات ذات صلة