هل طفلك عنيد؟ هنيئًا لكِ إذن!
هل لديك طفلا يجادلك كثيرًا في كل ما تقولين؟!
هل تربين طفلا يتمسك بآرائه بشدة ويأبى تنفيذ ما تطلبين منه أغلب الوقت؟!
هل تقضين يومك في نقاشات حادة مع طفلك حول كل أمر وكل تفصيلة في اليوم؟!
إذا كانت تلك المواصفات وغيرها هي ما تمرين به مع طفلك، فهنيئًا لكِ أيتها الأم .. فأنتِ تربين طفلا عنيدًا.
تسمينه طفلا عنيدا، ويسميه خبراء التربية وعلم النفس (الطفل ذو الإرادة القوية.(
قد تمثل تربية طفل (ذو إرادة قوية) تحدي للآباء، ويكون الأمر صعبا في مراحل الطفولة؛ لكن التعامل السليم الواعي من الأهل مع هذا الطفل يجعل الأمور أسهل كثيرا، كما أنه يُنشئ مراهقًا رائعًا ثم شخصًا ناضجًا ناجحا مميزًا في المستقبل.
الأطفال العنيدين في صغرهم هم الأكثر نجاحا عندما يكبرون ..
هكذا أثبت لنا علم النفس التربوي عام 2015، فحسب دراسة امتدت لأربعين عامًا على أكثر من 700 طفل و نشرت في the Development Psychology journal، قامت الأبحاث بتقييم الجوانب اللا إدراكية لهؤلاء الأطفال منذ الصغر؛ مثل كسر القواعد، وتحدي الأطفال لأهلهم، وغيرها من مظاهر عناد الأطفال لذويهم. واستمرت الدراسة في رصد هؤلاء الأطفال حتى تجاوزت أعمارهم ال 50 عامًا، لتخرج لنا بهذه النتيجة:
أنهم الأكثر نجاحا وقوة إرادة وتميزا في سوق العمل مقارنة بأقرانهم.
لماذا الطفل العنيد هو الأكثر نجاحًا؟!
ينظر علم النفس -وحسب مقالة نشرت في psychologytoday- لعناد الأطفال على أنه أهم الأسس * الإيجابية لتكوين شخصية الطفل.
* الطفل العنيد هو شخص لديه إصرار قوي، ويستطيع تحدي المشاكل التي تقابله والعمل على حلها.
* تمسكه بما يؤمن به يقوده للتفرد في المراهقة، فلا نجده يخضع لأصدقاء السوء.
* نقاشاته الكثيرة ودفاعه عن آرائه يولّد لديه اعتزاز بالذات، وثقة عالية بالنفس (بشرط أن يتعامل معه الأهل بشكل سليم في الطفولة).
* يتسم الطفل العنيد أيضا بقوة الإرادة. فهو لديه طاقة كبيرة تساعده على تحدي العقبات التي تواجهه للوصول إلى ما يريد. وإذا ما تمت تربيته بشكل واعِ فإن هذا العناد يؤهله للنجاح والتميز وتحقيق أهدافه في المستقبل.
* الطفل ذو الإرادة القوية (العنيد) لديه مهارات التحفيز والتوجيه الذاتي، ويستطيع مقاومة الضغوطات الخارجية التي تُمارَس عليه.
* هذا الطفل من أكثر الأشخاص استجابة لفعل الصواب، حتى وإن اضطر لفعله منفردًا. مما يجعله شخصيا صالحا نزيها في المستقبل.
ولكي نفهم أكثر عن عناد الطفل علينا أن نتساءل:
كيف يشعر الطفل العنيد (ذو الإرادة القوية)؟ لماذا يلجأ إلى التحدي والعناد؟
وماذا يحرك سلوكه؟
العناد هو دائما عرض لدوافع خفية لدى الطفل، أهمها:
* الحاجة للشعور بالتقدير.
* الرغبة في الحصول على الحب غير المشروط من الأهل. فهو يخشى أن يسبب عناده وجداله الدائم رفض الأهل له.
* الطفل العنيد هو فقط يتبع مشاعره حيث أنه يثق كثيرا في قناعاته ويعتز جدا بأفكاره ويسير وراءها.
* يسعى لتأكيد ذاته والشعور بالاستقلالية.
* الرغبة في السيطرة.
* الرغبة في الشعور بالاحترام، فهو يرى أن كرامته قد ضعفت ونقصت إذا ما تم إجباره على فعل شيء ما.
وكقانون عام للنفس البشرية فلا أحد يحب أن يُملى عليه ما يفعل. أما الأشخاص ذوو الإرادة القوية (العنيدين)، فيعانون ويتألمون عندما يُفرض عليهم ما يفعلون.
لذا فإن بعض الآباء يؤذون أطفالهم بشدة دون وعي منهم بذلك، حينما يتعاملون مع هؤلاء الأطفال بشكل غير واعِ وأساليب خاطئة تؤدي لتدمير هذا الطفل، وفقدان كل المميزات السابقة في شخصيته.
من تلك الأساليب التي يجب الامتناع عنها تماما:
* الرغبة في كسر عناد الطفل .. على الأهل أن يقاوموا تلك الرغبة لأنهم في ذات الوقت الذي يكسرون فيه عناد الطفل، يكسرون ويهدمون إرادته.
* إرغامه على الطاعة. فإذا نجحوا في ذلك صنعوا شخصية منساقة تطيع الأقوى، وترضخ لأصحاب السلطة.
* رفض نقاشاته وعدم المداومة على الحوار .. مما ينتج عنه شخصا ضعيف سهل التأثير عليه، يطيع دون أن يفكر، ولا يعرف كيف يقيّم من حوله وبمن يثق.
* مقابلة عناد الطفل بعناد من الأهل .. مما يؤدي لتمرد هذا الطفل وتحوله إلى شخص يؤذي حتى نفسه ليثبت فقط أنه على صواب.
* جميع أنواع العنف حتى ولو بالصوت .. تؤدي لكسر هذا الطفل وقهره وتحويل كل مميزاته لعناد سلبي قبيح.
* أيضا التدليل والاهتمام الزائد من قبل الأهل .. يجعله يشعر أنه مميز عن باقي البشر مما يفسد سلوكه.
العناد صفة إيجابية هامة وبدون عناد كان هذا الكوكب سيخلو من الاختراعات الهامة والأشياء العظيمة.
على الأهل أن يتبعوا الأساليب النفسية والسليمة للتعامل مع عناد أطفالهم إذا أرادوا أن ينعموا بتلك الإيجابية.
فيما يلي بعض الأساليب الصحيحة للتعامل مع قوة إرادة الطفل (عناده):
1. استخدام الروتين والقواعد: يجنب الأهل الكثير من الصراعات مع الطفل ذو الإرادة القوية. وفي تلك الحالة أنت لا تأمره ولا تفرض عليه شيئا، بل تشرف فقط على تطبيق ما اتفقتم عليه سويا من قبل أثناء وضع القواعد.
2. التعاطف: فحتى أثناء تطبيق القواعد والتمسك بما اتفقتم عليه، إظهار تعاطفك معه يشبع لديه الرغبة في الحصول على الحب والتقدير. وعندما يشعر الطفل أن أبويه يقدران ما يشعر به ويتعاطفان معه، تقل مقاومته بشكل تلقائي.
3. منح الخيارات: ومنحه الحرية في الاختيار في أكبر مساحة ممكنة من حياته. فالطفل ذو الإرادة القوية يريد السيطرة والتمكن أكثر من أي شيء آخر، لذا من المفيد تركه يتولى زمام أموره قدر الإمكان. وكلما أتيحت له الحرية كلما أصبح أكثر تعاونًا واستجابة.
4. التجريب والخطأ: هذا الطفل مغرم بالتعلُّم عن طريق الاقتناع، لا أن يُملي عليه شخص ما الصواب وما الخطأ. فما عدا حالات الخطر والأمان والقواعد العامة، دعوه يجرب بنفسه ويخطئ ويتعلم من خطئه. واعلموا أن محاولاته اختبار صلابة القواعد والحدود المتفق عليها هي طريقته الخاصة للتعلم.
5. دعه يحتفظ بماء وجهه: لا يلزمك كأب أو أم إثبات أنك على صواب دائما، ولا تنتظر منه أن يقتنع بجميع آرائك وقناعاتك حتى لو ناقشته فيها. دعه يتبنى آرائه الخاصة ومشاعره المنفردة.
واحذر مناقشته في قناعاته بهدف إثبات خطئها. فإذا استطعت التغافل عن شيء أو طبقت قاعدة بالفعل، فدع طفلك يحتفظ بماء وجهه ولا تناقشه فيما حدث إلا إذا أراد هو ذلك.
6. الاستماع له باهتمام وتركيز: فهذا الطفل لديه قناعاته وأفكاره التي يهتم بشدة أن يتم احترامها وتقديرها. استماعك له وشعوره بهذا الاهتمام يجعله بدوره أكثر قبولا للاستماع إليك والتفكير بما تقوله.
اجعله يشرح ما يفكر به ويعبر عما يشعر وحاول فهم منطقه.
7. فاوضه: طالما الموقف ليس له قاعدة مسبقة الاتفاق، فالتفاوض هنا حل جيد. حاول الوصول لحلول وسط، ولا بأس أن تتنازل في بعض المواقف، فذلك يعلمه المرونة.
8. قوّمه بطرق غير مباشرة: تجنب نصحه وقت حدوث الخطأ أو المشكلة، وأجّل النقاش لوقت لاحق.
ليكن نقاشك بهدوء واحترام. واستعمل وسائل مختلفة لتوصيل المعلومة؛ مثل القصة، أو اللعب، أو تحكي موقف مشابه حدث لك سابقا وكيف تصرفت وماذا تعلمت…إلخ
9. الطفل العنيد ينضبط بكرامة: ودون أدنى قدر من العنف.
10. المدح بتوازن: فكلما أحسن طفلك السلوك، يجب أن يعرف أنك لاحظت هذا وتقدره. دون إفراط في هذا المدح أو اصطناعه.
11. التلامس الجسدي: حيث أن ذلك الطفل يحتاج للشعور بالحب غير المشروط، فمن المؤثر به جدا عند مناقشته أن تربت على كتفه أو تحتضنه أو تمسح على رأسه.
12. التواصل الجسدي: نزولك لمستوى طفلك وتواصلك معه بالعينين يُشعره بالأهمية والاحترام، مما يفتت مقاومته تدريجيا، ويصبح أكثر انفتاحا لما تقول.
العناد صفة رائعة تقوم عليها الكثير من مقوّمات ومهارات النجاح والتميز، إذا تم التعامل معها بكثير من الصبر والهدوء، واستخدام الأساليب السليمة في الطفولة.