اراء و أفكـار

بلدوزر التسوية الروسية

مع إعلان تحرير مدينة البوكمال السورية على الحدود العراقية، آخر معقل رئيسي لتنظيم «داعش» الإرهابي على الأراضي السورية، وهو إنجاز لم يكن ليتحقق لولا دعم عسكري روسي واضح، تأتي زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى روسيا واجتماعه إلى الرئيس فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي، وذلك للمرة الثانية منذ زيارته الأولى المفاجئة في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، وقبيل يومين من قمة ثلاثية في سوتشي أيضاً، تضم رؤساء روسيا وتركيا وإيران.
الزيارة وما تخللها من مواقف، تشير إلى أن روسيا ترى أن الوقت بات مناسباً، بعد استكمال مرحلة مهمة من الحرب على الإرهاب بالانتقال الجدّي إلى مرحلة التسوية السياسية الفعلية في سوريا، كي تخفف موسكو من الأعباء العسكرية التي تتحمّلها من دون أن تتخلى عن الدور الذي يحفظ لها مصالحها، وقد بدا ذلك واضحاً من مشاركة الأسد في اجتماع القيادة العسكرية الروسية العليا بحضور بوتين، وهي ربما المرة الأولى التي يسمح فيها لرئيس نظام أجنبي بالمشاركة في مثل هكذا اجتماع، ما يعني أن ما تمت مناقشته له علاقة بمستقبل الوجود العسكري الروسي في مرحلة ما بعد القضاء على الإرهاب. وقد تردد أن موسكو بصدد تقليص وجودها العسكري مع تزويد جيش النظام السوري بأسلحة حديثة ومتطورة، كي يتمكن من القيام بالدور الذي كانت تقوم به القوات الروسية، مع الاحتفاظ بالقاعدة الجوية في حميميم والقاعدة البحرية في طرطوس.
من خلال ما تم تسريبه من مواقف خلال الاجتماع، من الواضح أن بوتين بات متأكداً من الانتصار على الإرهاب، وبالتالي لا بد من الذهاب إلى الحل السياسي، أو «التسوية طويلة الأمد للوضع في سوريا»، كما قال، وهو ما تمت مناقشته بشكل مطوّل وتفصيلي على مدى أربع ساعات، إذ أراد الرئيس الروسي أن يضع رئيس النظام السوري في صورة موقف الكرملين وتصوراته للحل وآلياته، والاستماع منه إلى موقف النظام من التسوية على ضوء قمة سوتشي الثلاثية ومؤتمر الحوار الوطني الذي دعت إليه موسكو، وأيضاً مؤتمر جنيف المقبل والعمل في إطار قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالأزمة السورية، وكذلك نتيجة الاتصالات التي يقوم بها بوتين مع زعماء دوليين وإقليميين، يرى أن مشاركتهم والأخذ برأيهم ضروري، لبدء مرحلة جدّية في العمل على التسوية السياسية.
باتت روسيا على ما يبدو تمسك بمعظم أوراق اللعبة، وهي تجهد الآن لإزالة كل العراقيل من أمام الحل السياسي.
من الواضح بعد استكمال القضاء على «داعش»، أنه لم يعد هناك من عراقيل سوى بعض المسامير على الطريق التي يقوم البلدوزر الروسي بإزالتها.

“الخليج”

مقالات ذات صلة