اراء و أفكـار

مشروع للنهضة والتنوير

تحتاج الأمة العربية الآن إلى مشروع نهضوي تنويري يخرجها من حالة الترهل والضمور والتخلّف التي تعيشها، ويضعها على طريق التقدّم والعصرنة، بعدما وصلت إلى مرحلة لم تعد لديها القدرة على الصمود في مواجهة التحديات التي تعصف بها في مختلف الميادين.
من خلال ما تمر به الأمة في هذه المرحلة التي تذكّر بمرحلة الانحطاط، فقدت قدرتها على الحد الأدنى من التضامن، ودخلت مرحلة الصراعات الداخلية والطائفية والمذهبية، وضربها الوهن وفقدت المناعة، واخترقتها المنظمات الإرهابية بأفكارها التكفيرية، وخرجت عن ثوابت ظلّت لسنوات تشكّل المعيار القومي والوطني للالتزام بقضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
لقد تعثرت كل المشاريع النهضوية والتحديثية في السياسة والأدب والثقافة والدين وعلم الاجتماع والاقتصاد، وحلّت محلها ثقافة هزيلة على طريقة «الفاست فود» وبدع وفضائيات فارغة ومبتذلة ومحنّطة بترّهات الماضي، وتحض على الفتنة وتحظى بالرعاية من دول وأجهزة مخابرات، وإصدارات كتب غثّة المحتوى تتناول القشور، وكتب أخرى عن التنجيم والسحر والشعوذة، أو تتناول قضايا دينية وفقهية من منظور متزمّت ومتعصّب يفرّق ولا يوحّد، وبعين متخلّفة لا تقرأ التراث بعين الحداثة والعصر.
ندرك أن هناك جهوداً بذلت وتبذل من جانب عدد من المفكرين والمثقفين للارتقاء في مختلف المجالات التي سبق ذكرها، إلا أن هذه الجهود ظلت محصورة ومقيّدة، ولم تجد طريقها إلى الفعل بين الجماهير، لأنها لا تعبر عما يراه النظام السياسي العربي المحكوم بسلطات مستبدّة ترى في أية عملية نهوض حقيقية خطراً عليها، بل تهدد وجودها، عدا أن هذا النظام محكوم بطبقة لم تأخذ حقّها من التعليم والانفتاح على العصر، والوقوف على مدى التقدم الحضاري الذي بلغه العالم، لذا فهذه الطبقة تبقى مشدودة إلى الماضي ولا ترى في التغيير عاملاً مهماً في صيرورة شعوبها.
وإذا كنا نرى في الجهود التي تبذلها دولة الإمارات في الخروج من عباءة الماضي والانطلاق بسرعة في معارج التقدّم والعصرنة، فهذه حالة فردية ومتفردة لا تعبر عن أمة بكاملها متسربلة بالماضي، ليس بما يحمله من نماذج بهيّة وساطعة، إنما بما يحمله من تخلّف وعصبية وقبلية وضغائن وفتن واحتراب.
نحتاج إلى مشروع تنويري عربي حقيقي تتولاه مؤسسات رسمية مقتنعة بالتغيير واللحاق بركب العصر، تشارك فيه نخب عربية في مختلف ميادين الحياة، وتأخذ وقتها في الدراسة والبحث. نحتاج إلى جهد حقيقي في إعادة صياغة تاريخ العرب وإخراج ما علق به من تزوير على يد الاستعمار أو المستعربين. ونحتاج إلى إعادة نظر بالتراث وما لحق به من عبث بما أخرجه عن ثوابت الدين، ونحتاج إلى إعادة قراءة النص القرآني بروح العصر، ككتاب منزل يدعو إلى العدل والمساواة والتسامح والحرية، وعدم تركه لبعض رجال الدين يفسرونه بما يتلاءم مع نزعاتهم وأهوائهم، وبما يروق لجماعات التكفير والإرهاب.
كم نحن بحاجة إلى رجال مثل، رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وسلامة موسى وعبد القادر الجزائري وعبد الحميد بن باديس وعلي عبد الرزاق وغيرهم من كوكبة الرجال الذين اخترقوا الظلمات وصنعوا عصراً من التنوير.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة