اراء و أفكـار

لحظة فارقة في تاريخ الأقصى

أداء المقدسيين أول صلاة جمعة داخل المسجد الأقصى بعد أسبوعين من الإجراءات «الإسرائيلية»، مثّل انتصاراً كبيراً على العنجهية التي تعاطت بها قوات الاحتلال لمعالجة الأحداث التي شهدتها باحات المسجد في الرابع عشر من الشهر الجاري، وأدت إلى منع المقدسيين من أداء صلواتهم.
عبّر مشهد توافد المقدسيين إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة الجمعة بهذا الزخم الكبير، عن لحظة فارقة في تاريخ الصراع بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال، فقد سقطت رهانات «إسرائيل» على كسر إرادة المقدسيين، والتي اعتقدت أنها كانت قادرة على تحقيق اختراق كبير في وحدة الفلسطينيين والعالم الإسلامي، فلم تجد إلا صموداً وكبرياء فرَضا عليها إعادة حساباتها، وأجبراها على إلغاء كل الإجراءات والتدابير التي اتخذتها بهدف تقنين الدخول إلى الأقصى من خلال تركيب بوابات إلكترونية، وبناء جسور وكاميرات، وغيرها، من تلك التي حدّت من أداء المقدسيين للصلاة في المسجد، وهذا الأمر لم يتحقق إلا بتضحيات كبيرة قدمها المقدسيون لمنع الإجراءات «الإسرائيلية» من الحؤول بينهم وبين مقدساتهم.
سيدوّن النصر الذي حققه المقدسيون خلال اليومين الماضيين في سفر التاريخ، باعتباره نقطة فاصلة في مسار الصراع بين الفلسطينيين والاحتلال «الإسرائيلي». فقد أجبر صمودهم قوات الاحتلال على التراجع عن إجراءاتها الاستفزازية، وكان للزخم الشعبي الذي تواصل من كل مكان، نصرة للأقصى، عاملاً من عوامل الانتصار الكبير الذي تحقق للفلسطينيين والمسلمين معاً.ش
احتفل المقدسيون بالنصر، كما لم يحتفلوا به من قبل، وأثبت الشارع الفلسطيني أن الفعل الشعبي كان دائماً يسبق الفعل السياسي، فخلال أسبوعين من الصمود الأسطوري للمقدسيين الذين رفضوا الخضوع لمنطق الاحتلال، وأدواته، ومحاولاته الحثيثة لإعادة رسم مشهد الصراع حول الأقصى، راكموا عوامل النصر ووصلوا إليه في نهاية المطاف، وكان مشهد التفافهم حول الأقصى رسالة للاحتلال باستحالة هزيمتهم طالما أنهم أصحاب قضية عادلة.
الانتصار الذي تحقق في القدس نصرة للأقصى عبّر بوضوح عن القضية التي يناضل الفلسطينيون من أجلها منذ احتلال أرضهم خلال القرن الماضي، برضا وتواطؤ دولي، فمنذ الجريمة التي ارتكبتها قوات الاحتلال «الإسرائيلي» بإحراق المسجد الأقصى عام 1969، بقي المقدسيون حراساً أمناء عليه، وقدموا من أجل ذلك المئات من الشهداء وآلاف الجرحى.
وكان «الإسرائيليون» يدركون أنهم لا يستطيعون قهر إرادة شعب يؤمن بقضية مقدسة، ويدافع عنها، وقد أثبت الفلسطينيون أنهم مستعدون لخوض معركة طويلة من أجل الحفاظ على مقدساتهم، مستندين في ذلك إلى تاريخ حافل بالمواجهات بينهم وبين المحتلين.
المعركة التي أدارها المقدسيون في مواجهتهم المكشوفة مع قوات الاحتلال في الأحداث الأخيرة، أكدت صلابة موقفهم ووحدة كلمتهم.
والإجراءات التي اتخذها الاحتلال لمنع كافة المقدسيين من أداء الصلاة في الحرم القدسي، كتحديد أعمار من يتم السماح لهم بالدخول إلى المسجد، وإغلاق الشوارع المؤدية إليه، لم ترهبهم، فأدوا الصلاة في محيط الأقصى، وهي رسالة أرادوا إيصالها إلى قوات الاحتلال مضمونها أن لا قوة على الأرض قادرة على زحزحتهم عن مواقفهم، وكسب معركتهم الفاصلة مع الاحتلال.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة