اراء و أفكـار

نكون أو لا نكون؟

«نكون أو لا نكون»، إنها مقولة تتردد منذ أكثر من أربعمائة عام، أطلقها الشاعر الإنجليزي الأشهر وليام شكسبير وراحت تتردد مثلاً عن ضرورة أن تكون قوياً وقادراً على المواجهة والصمود في وجه المصاعب والأعاصير كي تظل حياً وموجوداً، وإلا فإن وجودك لن تكون له قيمة وتسقط من كل حساب.
هي مقولة – حكمة، تنطبق على الأفراد والشعوب، منذ بدء الخليقة حتى نهاية الكون. إذا لم تكن قوياً هزمك الأقوياء، وإذا لم تعرف قدر نفسك فلن يقدرك أحد، وإذا لم تأخذ زمام المبادرة بيدك فلن يعينك أحد.
فالمستقبل هو القادم من الأيام بما تحمله من أسرار وأحداث ومفاجآت ليست في الحسبان، لكنك تستطيع أن تعبر المستقبل إذا أعددت له ما يلزم من اليوم. لذلك تضع الدول استراتيجيات وخططاً لسنوات قادمة وتأخذ في الحسبان كل المخاطر والاحتمالات الإيجابية والسلبية.

لكن أين العرب من كل ذلك؟ ومقولة «نكون أو لا نكون» نرددها كل يوم حتى صارت سمة عربية لا تنفك تؤرق يومنا وغدنا لأننا لا نريد أن نكون، لأننا اخترنا الضعف على القوة، وقررنا أن لا نكون صناع حاضرنا ومستقبلنا، وحسمنا أمرنا في أن نكون توابع في مدارات الآخرين، وأن نترك أوطاننا ساحات للإرهاب ولصراع استراتيجيات ومصالح القوى الإقليمية والدولية الطامعة بموقعنا وثرواتنا، ونحن نتفرج كالأغبياء أو نشارك بقصد أو من دون قصد لعل رؤوسنا تسلم أو يتم غض البصر عنا عندما يحين أوان تقاسم الغنيمة.
نعيش في الحقيقة مرحلة ما بعد الانحطاط، تيمناً بمرحلة ما بعد الحداثة ولكن بالمقلوب.. قررنا أن نعود القهقرى بسرعة الضوء.. أن نتخلى عن كل ما له علاقة بالحاضر الذي يبني للمستقبل. لم نتعلم أن الحياة وقفة عز، وأن الأمة التي لا تأكل مما تزرع أو تلبس مما تنسج هي أمة لن تستطيع الصمود، وأن الأمة التي لا تسلك معارج العصر بما يعنيه من قوة وحداثة وتكنولوجيا وخطط مستقبلية سوف تبقى في آخر الطابور عالة على غيرها. وأن أمة تفقد قرارها وتتخلى عن بوصلتها القومية هي أمة فاقدة لمناعتها، وتصبح واهنة وضعيفة ومستسلمة لقدرها. وأن أمة أشاحت بوجهها عن المسجد الأقصى الذي يتعرض لغدر الزمان والنسيان، وفلسطين التي تساق إلى أسواق الرهانات والمضاربات، هي أمة يراد لها أن تكون لا حول لها ولا قوة.
ما يجري على امتداد أرضنا العربية منذ سنوات من إرهاب مدمر يضرب شرقاً وغرباً، ومن انقسام وصراع بين أنظمة وشعوب، وما ينزف من شرايينها من قيح طائفي ومذهبي كريه، وما أصاب شعوبنا من إحباط وصل حد اليأس.. كل ذلك يدعو للسؤال: «نكون أو لا نكون»؟

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة