اراء و أفكـار

«جنيف 7» والحل البعيد

عندما دعا المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا لعقد اجتماع «جنيف -7» الذي بدأ أعماله يوم أمس الأول ولمدة خمسة أيام في أعقاب اجتماع «آستانة-5»، لم يكن يساوره شك بأن الاجتماع سيكون مجرد تكملة لاجتماعات جنيف الستة السابقة، مع فارق جديد هو أن المتفاوضين عن الحكومة والمعارضة بمختلف منصاتها سوف يناقشون السلال الأربع التي كان تم الاتفاق عليها سابقاً، وهي الإرهاب والحكم الانتقالي والدستور والانتخابات.
لا يريد المبعوث الدولي أن يعطي انطباعاً متفائلاً عن اختراقات مهمة ممكنة قد يحققها الاجتماع الجديد لأنه يدرك أكثر من غيره أن الحلول لم تنضج بعد، وأن الأطراف الدولية والإقليمية الممسكة بتفاصيل الملف السوري سياسياً وعسكرياً لم تصل بعد إلى مرحلة التسليم بالحل السياسي، كي يقنع كل طرف «جماعته» بالتخلي عن شروطه وبدء مفاوضات جدية للحل.
لهذا كان دي ميستورا صريحاً عندما أعلن في افتتاح الجولة الجديدة أنه لا يبالغ في التفاؤل، ليس لأنه لا يريد تحقيق إنجاز سياسي كبير في قضية شائكة ومعقدة، يحسب له ويسجله في تاريخه الدبلوماسي، بل لأنه يعرف أن الوفود المفاوضة، الحكومية وتلك المعارضة التي تمثل منصات القاهرة والرياض وموسكو، لا تملك قرارها، لأن القرار الفعلي في مكان آخر، وإن من يشارك في مفاوضات جنيف مجرد ظلال لآخرين ما زالوا يتصارعون في الميدان، ويتفاوضون في أستانة أو وراء الكواليس، أو من خلال غرف عمليات عسكرية تتولى تنسيق العمليات وترتيبها ورسم خطوطها وضبطها في الشمال والجنوب والأرياف والبادية.
بهذا المعنى فإن استثمار الأزمة السورية أو بالأحرى الدم السوري لا يزال قائماً تحت شعار محاربة الإرهاب الذي تحول إلى شماعة لأهداف السيطرة والنفوذ والمصالح، من دون اكتراث بالمآسي الإنسانية التي أودت بحياة مئات الآلاف وشردت الملايين ودمرت عشرات المدن والمنشآت الصناعية والإنسانية والبنى التحتية.. ولا تزال طاحونة الموت والتدمير تدور في مختلف الاتجاهات.
إذن، يجتمع المبعوث الدولي مع الأطراف المفاوضة لبحث هوامش الأزمة الحقيقية وليس صلبها، مثل الهيئة التأسيسية لوضع الدستور الجديد وآليات محاربة الإرهاب والانتخابات والمرحلة الانتقالية وكلها أمور في حال الاتفاق عليها تؤسس لمرحلة ما بعد اتفاق الخارج على حل الأزمة، أي أنها تهيئ حمولة العربة لوضعها خلف الحصان في حال تقرر له أن يبدأ الجري.
واضح أن الحل ليس الآن على ما يبدو، لأن الطبخة السورية لم تنضج بعد وما زالت موضوعة على نار هادئة تنتظر الطهاة كي يقرروا موعد نضوجها وإضافة ما يلزم من «منكهات» الدم والدمار التي تحتاجها قبل أن يعلنوا الموعد.
أعان الله سوريا وشعبها على مصيبة حلت بهم واستغلها كل طامع وطامح واستثمر فيها كل المنافقين واللصوص والمجرمين وفتح خزائنه ليشبع غروره وحقده ويسدد فاتورة عمالته.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة