اراء و أفكـار

«إسرائيل» تقتحم إفريقيا

كانت القارة الإفريقية تمثل حائط الصد والخط الخلفي للأمن القومي العربي في مواجهة الكيان الصهيوني.. كان ذلك في خمسينات وستينات وحتى مطلع سبعينات القرن الماضي، لأن إفريقيا كانت إحدى الدوائر الثلاث في استراتيجية التحرك المصري إضافة لدائرة عدم الانحياز والدائرة الإسلامية، يوم كانت مصر عبد الناصر تقود حركة التحرر الوطني وتعتبر قبلة حركات التحرير الإفريقية والعالمية.
شكلت إفريقيا في تلك المرحلة السند الدبلوماسي والسياسي لكل قضايا العرب وعلى رأسها القضية الفلسطينية في المنتديات والمحافل الدولية، وكان يحسب لدول القارة ألف حساب لما كانت تشكله من ثقل أثناء التصويت على قرارات تهم العرب. ولم تغب القضية الفلسطينية عن كل القمم الإفريقية يوم كانت منظمة الوحدة الإفريقية ومن بعد الاتحاد الإفريقي، وظلت تشكل قضية محورية تحظى بالدعم والتأييد في كل القرارات التي صدرت عنها، بل تمت الموافقة على أن تكون «عضواً مراقباً» في الاتحاد في حين أن الكيان يعمل جاهداً الآن للحصول على هذه العضوية. وكان الموقف الإفريقي مشهوداً في قطع علاقات معظم الدول الإفريقية مع «إسرائيل» إثر عدوان العام 1967، وتكرر الأمر خلال حرب أكتوبر 1973.

بعد اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 واعتراف مصر السادات بالكيان بدأ الجدار الإفريقي بالانهيار وانكشف الأمن القومي العربي باتجاه إفريقيا خصوصاً والعالم عموماً، واستغل الكيان هذا الشرخ وبدأ يتحرك في القارة مع غياب عربي عن الساحة وتبدل الاهتمامات وعدم الاكتراث بالخطر الصهيوني الذي تحول إلى «وجهة نظر» قابلة للأخذ والرد، وإمكانية التعاطي معه بإيجابية.

لم يتأخر الكيان في اقتحام القارة من كل أبوابها، وبدأ قادته يجولون ويصولون فيها، واستطاعوا تحقيق أهداف لم يتمكن قادة الكيان من قبل، مثل بن غوريون وغولدا مائير من تحقيقها.. فيما كان العرب الذين يحتلون شمال القارة ومعظم شرقها وبعض غربها يتفرجون وكأن الأمر لا يعنيهم.

استفاقت الجامعة العربية مؤخراً بعد طول غياب واجتمعت لبحث مخاطر غزو «إسرائيل» للقارة وقررت التحرك، على أمل أن تتحرك!

في إطار الغزو «الإسرائيلي» للقارة السمراء ومشاركة بنيامين نتنياهو في قمة المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا التي عقدت في الرابع من الشهر الحالي في مونروفيا (ليبيريا)، هلل نتنياهو وهو أول مسؤول «إسرائيلي» يشارك في قمة إفريقية لأن «إسرائيل» تعود بقوة إلى إفريقيا، وأفصح عن الهدف من ذلك بقوله «بعد زيارتي لشرق إفريقيا العام الماضي واجتماعي إلى رؤساء أوغندا وإثيوبيا وكينيا ورواندا.. نحن اليوم في غرب إفريقيا من أجل تفتيت الكتلة الكبيرة التي تضم 54 دولة كانت تصوت ضدنا بشكل أوتوماتيكي في الأمم المتحدة وفي المنظمات الدولية».

تعمل «إسرائيل» على تحويل إفريقيا إلى عمق استراتيجي أمني واقتصادي وسياسي لها في مواجهة العرب وعلى حسابهم.
..إن من يتخلى طوعاً عن أمنه القومي ويبحث عنه في مكان آخر، كمن يبحث عن ظله في عتمة الليل، عليه ألا يلوم الغير إذا عبثوا بأمنه أو استباحوه.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة