اراء و أفكـار

انتخابات الجزائر: حزب «المقاطعة» هم الغالبون؟

رأي القدس

تكشف الانتخابات البرلمانية الجزائرية التي جرت أول أمس الخميس عن مفارقتين كبريين:
المفارقة الأولى هي أن التنافس على المقاعد جرى فعليّاً بين أحزاب السلطة نفسها، حزب «جبهة التحرير الوطني» الذي يرأسه الرئيس الحالي للجزائر عبد العزيز بوتفليقة الذي حصل على قرابة 35٪ من الأصوات، وحزب «التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي يرأسه أحمد أويحيى، رئيس الوزراء السابق الذي حصل على قرابة 20٪ من الأصوات، والقادمين المستجدّين على موائد السلطة، «تجمّع أمل الجزائر»، بـ19 مقعداً، والحركة الشعبية الجزائرية بـ13 مقعدا، والتحالف الوطني الجمهوري بـ8 مقاعد، وكلّها أحزاب داعمة للسلطة الحاكمة ورئيسها بوتفليقة بحيث تصبح نسبة أحزاب الموالاة العامة أكثر من 65٪ من المقاعد يفترض أن يقف في المواجهة الافتراضية معها 28 نائباً للمستقلين و34 للأحزاب «التقدمية» و48 للإسلاميين.
المفارقة الثانية هي أن الفائز الأكبر الحقيقي في هذه الانتخابات هو حزب المقاطعة، وإذا قبلنا اعتماد الأرقام التي قدّمتها وزارة الداخلية الجزائرية (واعتبرها الناشطون والمعارضون أرقاما مضخمة و«منفوخة» كثيراً) فإن نسبة المشاركين في التصويت كانت 8 ملايين ناخب (38٪ من عدد الناخبين) مقابل 15 مليون مقاطع (62٪)، وبالتالي فإن الذين شاركوا فعليّاً في الانتخابات كانوا من مؤيدي السلطة والمتحمسين لها أو الساعين في جنابها إضافة إلى لزوميات «المعارضة» و«الاستقلال» و«التقدم» الضرورية لإعطاء بعض المصداقية للانتخابات.
قامت السلطة الجزائرية بما في وسعها حقّاً لجذب الناخبين إلى التصويت وقد بالغت في ذلك إلى درجة كاريكاتورية منها ما ذكرته «القدس العربي» في تقرير سابق لها عن خطبة رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال في جمهور من النساء في مدينة سطيف طالبهن فيها باستخدام العصيّ لو استلزم الأمر لدفع أزواجهن للتصويت، كما أن قيادة الجيش قررت السماح للجنود بالتصويت في مراكز الانتخاب وذلك لإقناع وسائل الإعلام والمراقبين بوجود مشاركة شبابية وذلك من خلال نقل الجنود بملابس مدنية وقطرهم إلى مراكز الاقتراع وهو ما رفع نسبة المشاركة صباح يوم الانتخاب.
الأغلب أن مقصود السلطات الحاكمة الأساسي من هذه الانتخابات هو تحضير البلاد لخلافة بوتفليقة ولكنّ الانتخابات كشفت أن الصراع يدور بين أروقة الحكّام أنفسهم وأن الشعب يجد نفسه غير معنيّ البتة بما يحصل.
الأرقام تظهر أن النتائج كانت محسومة أصلاً ولكنّ عزوف الجمهور العامّ عن المشاركة في التصويت، وخصوصاً من جمهور الشباب الذي يمثّل مستقبل الجزائر يشكك عمليّا في مصداقية هذه الانتخابات وفي شرعيتها.
أراد النظام إعادة تكرير حيثيّاته نفسها ولكنه أراد إعطاءها مصداقية شعبية ولكنّ الانتخابات الحالية غير قادرة فعليّاً على دعم هذا الادعاء لأنّ أغلبية الشعب الجزائري، ببساطة، صوّتت برفضها للتصويت.
داخل هذه الفجوة بين الأغلبية غير المقتنعة بجدوى النظام الحالي والغطاء البرلماني الجديد المتشكل سينعقد الصراع على مستقبل الجزائر، والأفضل لهذه البلاد العظيمة أن يكون الانتصار لمن قاطعوا الانتخابات وليس لبنية بيروقراطية أثبتت عجزها وفشلها على مر السنين.

نقلا عن “القدس العربي”

مقالات ذات صلة