اراء و أفكـار

مؤتمر “انقرة”؟

يستطيع البعض مهاجمة “التحالف الوطني” واتهامه بالطائفية وان له علاقات خارجية لا يرتضيها.. كما يستطيع اخرون مهاجمة “مؤتمر انقرة” واتهامه بالطائفية وان له علاقات خارجية لا يرتضيها. ويستطيع كل طرف استغلال الصراعات والتناقضات لدى الاخر.. ويستطيع طرف ملاحقة عناصر الطرف الاخر قضائياً وسياسياً وبرلمانياً لاضعافه وتطويقه.. كما يستطيع الاخر الاستمرار باتهام الطرف الاخر وملاحقته داخلياً واقليمياً ودولياً لاضعافه وتطويقه.
لكن هذا كله لن يحل المشكلة، التي لن تحل ان لم نخرج من اجواء الخوف. والخوف شيء حقيقي، عندما يتعلق بنا، لكننا ننكره ونخفف منه عندما يتعلق بالاخر. يخاف جمهور من “الشيعة” من منظمات ارهابية لم يجعلها الطرف الاخر اولويته، ويخاف من “مؤتمر انقرة” ومن انعقاده في الخارج ومن الرعاية الاجنبية له.. ويخاف جمهور من “السنة” من محاربتهم على يد سلطات تتعامل معهم وكأنهم جزء من الارهاب والنظم الاستبدادية، ويخاف من “التحالف الوطني” ومن “الحشد الشعبي” ومن الرعاية الخارجية لهما… فهذه مخاوف حقيقية، اذا نُظر اليها من داخل كل طرف، وليس من خلال المجاملات وكلمات المساومة، مما يتطلب سياسات جادة وشجاعة للتطمين ولبناء الثقة.
واذا حاكمنا “مؤتمر انقرة” من خلال المعلومات والتسريبات وليس البيان الختامي فقط، واذا ما صحت هذه المعلومات، فان المؤتمر: 1) يخطىء في جعل محاربة ايران اولوية تتقدم على محاربة “داعش”. وخلاف بعضهم معها ليس لانها فارسية او شيعية، فلقد سبق للخليج ان استنجد بايران الفارسية/الشيعية ضد الناصرية ومصر والتيار العروبي، وسبق للعراق ان تحالف مع ايران وتركيا والباكستان في حلف بغداد ضد مصر وسوريا والسوفيات والتيارات اليسارية والقومية. فخلافهم مع ايران سياسي، وهو ما يجب العمل على حله، لا بناء بوابة شرقية واعداء تاريخيين والتعبئة لحروب لا اول ولا اخر لها.. 2) يخطىء عندما يتخذ موقفاً سلبياً من “الحشد” الذي ساهم بانقاذ العراق من خطر الارهاب، والذي لولاه، ولولا القوات المسلحة والبيشمركة والتحالف الدولي وايران، لكنا اليوم شيعة وسنة وكرد وازديين وتركمان لاجئين في دول اخرى، او ضحايا واسرى لدى “داعش”.. 3) يخطىء اذا حاول استغلال الخلافات الشيعية/الشيعية ولا يشجع محاولات توحيدها سواء عبر “التحالف الوطني” او غيره.
بالمقابل نخطىء عندما نجعل: 1) محاربة دول الجوار اولوية وعدم البحث معها عن المشتركات سواء لمحاربة الارهاب او لتطويق المشاكل الداخلية والاقليمية. فيجب ان لا نبني بوابات جنوبية وشمالية وغربية، وان لا نحول خلافاتنا المذهبية والسياسية الى عداوت مزمنة تدمر المشتركات الكثيرة التي ربطتنا وتربطنا.. 2) نخطىء عندما لا نطمئن اخواننا بانهم شركاء حقيقيون في ادارة البلاد، وان القوات المسلحة والحشد هما لحمايتنا وحمايتهم كما برهنت لحد الان الوقائع الجارية على الارض بتوجهاتها الرئيسية. اما الحوادث الفرعية فلدى كل الاطراف منها ما يعتبر حجة ضد الاخر، عند تعميمها.. 3) نخطىء عندما نريد استغلال الخلافات السنية/السنية، ولا نشجع محاولات توحيد الجهد لاحترام الدستور والعملية السياسية والديمقراطية لياخذ كل منا دوره وموقعه، بما يسمح بالخروج من سياسات الخوف الى سياسات الاطمئنان والثقة المتبادلة، وبناء الامن لمواجهة الارهاب وبما يسمح بسياسات الاعمار والتقدم.
فالعراق لن يبق عراقاً ان لم نؤسس لعلاقات داخلية واقليمية سليمة وايجابية وفاعلة مطمئنة للجميع. وهذه مسؤولية الجميع، وليس جهة واحدة. مشكلة بعضنا من هذا الطرف انه يخلط الجميع في سلة واحدة، ولا يميز قوى الارهاب والسياسات المضادة له، عن قوى يجب ان تكون حليفة وصديقة، لكنها تتململ وتتخوف، فترتكب الاخطاء خلال بحثها عن دورها ومكانها الجديد بعد التغيير الكبير الذي شهدته البلاد. ومشكلة بعضنا من الطرف الاخر انه لم يستوعب بعد ان النظام السياسي والعلاقات الاجتماعية القديمة تغيرت الى غير رجعة، ليس في طبيعة علاقاتها الخارجية فقط، بل في طبيعة علاقاتها الداخلية والقوى الحاكمة ايضاً، والتي قد ترتكب الاخطاء في الحكم والادارة لمخاوفها ولحداثة تجربتها فيها. يقول سبحانه {لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو اقرب للتقوى}.
عادل عبد المهدي

مقالات ذات صلة