التشققات الجلديّة في مختلف مناطق الجسم
مَن أراد الغوص في عالم الجمال، يجد على «مدّ العين والنظر» مشاكل جمالية منها البسيطة ومنها الأكثر تعقيداً، فيحتار من أين يبدأ المداواة والعلاج، ويزيد فضوله حول كيفيّة الوقاية والتعايش السليم مع الحالة المعيّنة…
فليس الجمال مجرّد قامة ممشوقة أو بشرة خالية من العيوب أو شعر صحّيّ، بل إنّ التشعّبات تكاد لا تُحصى، حسب «العائق الجماليّ» الذي يعانيه المرء. وكلّ إنسان يجد أنّ مشكلته هي الأكثر تعقيداً والأقلّ إنتشاراً والأصعب علاجاً… بيد أنّ هذا الأمر ليس صحيحاً.
تبرز مشكلة التشققات الجلدية في مختلف مناطق الجسم «كتشوّه جماليّ» يصيب البشرة فيتركها ذات ندوب ظاهرة للعيان أحياناً فتزعج صاحبها ولا يدري السبيل إلى الخلاص منها.
كثيرة هي المعتقدات السائدة حولها، فالبعض يقولون أنها لا تصيب سوى النساء الحوامل، فيما يؤكّد قسم آخر أن سببها البدانة المفرطة، وهكذا دواليك تستمرّ التخمينات من دون معرفة السبب الرئيسيّ والحلّ الأشمل وطريقة العناية والوقاية.
تشرح الدكتورة جنان خوري جرباقة، الاختصاصيّة في الأمراض الجلديّة والتجميل ماهيّة التشققات الجلدية وأنواعها وأسباب ظهورها على البشرة، وتعطي النصائح لإيجاد الحلول الأقرب لعلاجها. ويتناول الدكتور عبدو واكد، الاختصاصيّ في الأمراض والجراحة النسائية والتوليد والعقم، الشق المتعلّق بالمرأة والحمل والتغيّرات الهرمونيّة التي تؤدّّي إلى ظهور هذه التشققات.
تشققات متنوّعة
لعلّ أبرز ما يهتمّ له الإنسان هو «ظهور» بوادر لا تُنبئ بالخير على بشرته أو وجهه أو شعره. فمتى كانت المشكلة لا تزال داخلية، لا يكرّس لها الإهتمام الوافر أو يُتعب نفسه في الوقاية والعناية المسبقة، بل ينتظر ريثما تظهر المشكلة إلى العلن، ليبدأ بالقلق والحيرة، ويُسارع أحياناً إلى الإستشارات العشوائية وطرق العلاج الفرديّة قبل زيارة الطبيب المختصّ. بينما كلّ ما يتطلّبه الأمر هو الإنتباه والإدراك والوعي المسبق لتفادي المشكلة.
تقول الدكتورة جرباقة: «إنّ التشققات الجلديّة Vergetures أو خطوط التثلّم (الأثلام) أو علامات إمتداد الجلد، المعروفة أيضاً بتسمية «علامات ضربات العصا» لأنها تشبه الأثار التي تتركها ضربات العصا على الجلد، هي بالحقيقة تشققات تصيب الجلد نتيجة نقص في مادة الكولاجين، مما يؤثر على المطاطية في البشرة ويسبّب بتكسّرها. فهذه الخطوط الظاهرة ليست سوى تقطّع للشبكة المرنة للأنسجة الضامة الدقيقة والسطحيّة من الأدمّة الموجودة مباشرة تحت الطبقة الأساسيّة من البشرة».
تظهر هذه العلامات على شكل ضمور جلديّ موضعيّ ونلاحظ إختفاء الإفرازات الدهنية والوبر في المكان المصاب. وتكون إجمالاً هذه الخطوط ضيّقة وطويلة مع حدود غير منتظمة، ويكون لونها أحمر مائل إلى البنفسجيّ في البداية بسبب الإلتهاب لتصبح مع الوقت، أي بعد مضيّ أشهر عدة بيضاء اللون وصَدَفيّة المظهر.
تشير جرباقة «تظهر هذه التشققات عموماً على الثديين والبطن عند النساء الحوامل، كما نراها على الفخذين والوركين عند المراهقات بسبب الإضطرابات الهرمونيّة المتعلّقة بسنّ البلوغ. وفي حالات النموّ السريع، تكون هذه الإمتدادات ظاهرة على مناطق الأطراف. أمّا عند الرجال، فتكون على سواعد اليدين والبطن عموماً».
تكون هذه الخطوط واضحة في مناطق الجلد التي تتعرّض لشدّ متتابع في حال ترافق هذا الشدّ مع وجود وهن أي سرعة عطب في طبقة الأدمّة لأسباب بنيويّة أو هرمونيّة. قد تبدأ هذه التشققات بالظهور منذ سنّ الرابعة عشرة أي عند البلوغ. وعندما لا يستطيع الجلد إستلحاق النموّ والطول المكتسب تظهر هذه العلامات وإنّما بالعرض وليس بالطول، فنلاحظها عند الشباب على شكل تفسّخ في منتصف الظهر، وعند الفتيات على الرجلين والفخذين بشكل أفقيّ أيضاً، فيما التشققات في الطول تكون نتيجة زيادة الوزن الكبرى أو عند الحمل.
أسباب مختلفة
مهما إختلفت الأسباب، تبقى النتيجة واحدة: تشققات جلديّة واضحة!
يشرح الدكتور واكد “تظهر مشكلة التثلّم هذه عند المرأة في مراحل محدّدة من حياتها. فعند البلوغ مثلاً، يجعل الإندفاع الهرمونيّ القويّّّّ الجلد سريع العطب ويترافق ذلك مع ضغط مفاجئ على البشرة نتيجة إزدياد حجم الثديين والأرداف والفخذين. وفي حالات الحمل، يحصل الأمر عينه. أمّا عند زيادة الوزن المفاجئة والكبيرة، فلا مفرّ من ظهور الخطوط والإمتدادات هذه. وتبقى الحالات المرضيّة التي تؤدّي إلى إرتفاع مستوى الكورتيزون في الجسم مثل Cushing Syndrome أيضاً من أبرز الأسباب. كما قد يسبّب العلاج بالكورتيزون ومشتقاته هذه المشكلة».
تضيف جرباقة: «إنّ بعض الأجسام أكثر عُرضة من سواها للإصابة بالتشققات الجلديّة، فيما البعض لا يعاني من هذه المشكلة لأنّ بشرته مطاطة أكثر من سواها بطبيعتها، إذ إنّ مادّة الإيلاستين المسؤولة عن التمدّد في الجلد تكون موجودة بكميّة وافرة. وهذا الأمر بيولوجيّ وخلقيّ. فكما أنّ البعض يشيخ باكراً أو على العكس في مرحلة متأخرّة من دون سبب واضح، كذلك الأمر بالنسبة إلى هذا الموضوع».
عواقب ووقاية
إنّ عواقب المعاناة من وجود تشققات جلديّة أو علامات الإمتداد على البشرة هي شكليّة وجماليّة على الأكثر. إذ يشتكي المرء أنّ جلده مشقق ومفسّخ وبالتالي ليس حسن المظهر. إلاّ أنّ هذه التشققات قد تكون أحياناً دليلاً واضحاً على الإصابة بمرض معيّن كزيادة مادّة الكورتيزون في الجسم مثلاً، وهي بالتالي تساعد على كشف المرض من خلال الأعراض.
يقول الدكتور واكد من جهته “في حالات الحمل قد لا تظهر التشققات في الجلد من الأشهر الأولى، بل تبدأ مثلاً في الشهر السابع، إلاّ أنه يجب الإحتياط والوقاية من قبل. إذ ننصح السيدة بالبدأ بإستعمال كريمات ضدّ التشققات وليس كريمات ترطيب فحسب، وذلك منذ الشهر الخامس. من جهة أخرى، قد نلحظ تشققات في منطقة الفخذين أيضاً إذا لم يكبر بطن الحامل كثيراً في الأشهر الأولى، لكن لا توجد قاعدة معيّنة. وبعد الولادة، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الثديين معرّضان للإصابة بهذه الخطوط أيضاً نتيجة زيادة حجم الصدر المساعد على الرضاعة».
أمّا الدكتورة جرباقة فتلفت إلى أنّ «الوقاية تكون في الإنتباه المتواصل إلى الوزن وعدم إكتساب الوزن الكثير خلال مدّة قليلة. كما يجب عدم التعرّض للشمس كثيراً ومن دون وقاية للمحافظة على نوعيّة بشرة جيّدة وصحيّة وسليمة. ويجب الحرص على اتباع نظام غذائيّ متوازن، ومن المستحسن إستخدام كريمات خاصّة لمساعدة مادّة الإيلاستين على التجدّد وحتى يتمّ ترطيب الجلد حتى لا يتفسّخ ويتشقّق».
بسبب نمط العيش الخاطئ السائد في عصرنا الحاليّ، نجد أنّه بسبب الإبتعاد عن التوازن الطبيعيّ إلى حدّ ما، فإنّ مشكلة التثلّم او ظهور التشققات الجلديّة هذه تصيب نحو 80% من السيدات قبل سنّ الثلاثين، لتصل إلى ما يقارب ال100% من بعد سنّ الثلاثين! وهذه الأرقام لا تشجّع أبداً.
تؤكّد الدكتورة جرباقة: «لا وجود بعد لعلاج جذريّ لمشكلة التشققات الجلدية التي يعاني منها الرجال والسيدات على حدّ سواء. إنّما توجد أنواع مختصّة من التقشير Peeling تساعد على التخفيف من وطأتها وتحسين مظهرها. كما إستُحدثت ماكنات ليزر خاصة Fractional Laser تساهم في تجديد الكولاجين في الجلد Neo Collagenose وتساعد على التخفيف من التشقق، وهي كناية عن جلسة شهرياً ستّ مرّات، لكن لا تزال النتائج غير مضمونة 100%».
نصائح وإرشادات
البكاء على الأطلال لا يُجدي نفعاً! فبعد حدوث الواقعة، لا ينفع التحسّر أو لوم الذات. بل كلّ ما في الأمر هو محاولة الوعي المسبق. يقول الدكتور واكد «على السيدة الحامل أن تحاول قدر المستطاع عدم إكتساب الوزن الكثير، فهذا يساعد على عدم ظهور التشققات الجلديّة، كما يفيدها هي والجنين صحّيّاً أكثر! كما عليها الإنتباه والبدء بإستعمال الكريمات الخاصة التي تحمي إلى حدّ ما ولكنها ليست بسحريّة، فالتشققات تظهر حسب نوعيّة البشرة ولا مجال للتحكّم فيها».
من جهة أخرى، تشير الدكتورة جرباقة إلى «وجوب نصح الفتيات اليانعات بمعالجة التشققات الجلدية منذ بدايتها كي لا تتفاقم أكثر وتصبح عواقبها غير قابلة للعلاج. ففي سنّ البلوغ والمراهقة، قد لا تكون الفتاة مدركة لأهمية العواقب التي سوى تخلّفها الإمتدادات على البشرة هذه، فلن تستوعب أنها سوف تلازمها مدى الحياة، لذلك، على الأمهات والأهل تفسير ذلك للفتيات وإرشادهنّ ودفعهنّ إلى إستشارة الطبيب المختصّ للحدّ قدر المستطاع من هذه التشققات قبل إنتشارها الكامل. كما يجب الإنتباه إلى نوعيّة الأكل والتخفيف قدر الإمكان من الملح في الطعام لأنه يساهم في تشقّق الجلد. ويجب شرب كمّيات وافرة من المياه وممارسة الرياضة وإستخدام كريمات خاصة حسب نوعيّة البشرة لمساعدتها على الليونة والترطيب».
إنّ تقطّع الأنسجة الضامّة يشبه الندبة التي يتركها أيّ جرح على الجلد، لذلك لا يجوز الإستهتار بموضوع التشقّقات الجلديّة، وإنما يجب محاولة العناية الدائمة بالبشرة كي تبقى يافعة وصحيّة وحسنة المظهر.
جلد حسّاس
الجسم البشريّ هو في غاية الدقّة لأنه كائن حيّ وهي بالتالي بحاجة إلى الإهتمام المتواصل. فلا يمكن مطلقاً ترك الجلد على سجيّته وتعريضه لمختلف العوامل الخارجيّة والتلوّثات والشمس وزيادة الوزن من دون مراقبة. بل يجب مساعدته قدر الإمكان للتمتّع بقوام مصقول وبشرة نقيّة على الدوام. إنّ الجلد هو الأكثر حساسيّة في الجسم كونه واجهة على العالم الخارجيّ، لذلك يجب إيلاؤه المقدار المناسب من الوقاية والعناية وحتى العلاج. فصحيح أنّ الرجل أقلّ عُرضة للإصابة بالتشققات الجلديّة مثلاً، لكن هذا لا يمنع أبداً إهتمامه بشكله، لأنّ هذه الخطوط تكون ظاهرة للعين المجرّدة ولا يمكن إخفاؤها بأيّة وسيلة.