اراء و أفكـار

«قمة القلق» الأوروبية

للمرة الأولى منذ قيام الاتحاد الأوروبي في أعقاب اتفاقية ماستريخت 1992 التي تطورت إلى الشكل الذي عليه الاتحاد الآن ويضم 28 دولة، يشعر قادته بالقلق والخوف على مصيره نتيجة تطورات سياسية لم تكن في الحسبان، تمثلت بداية بانسحاب بريطانيا منه، وما يمكن أن يتركه هذا الانسحاب من تداعيات على مستقبل الاتحاد، ثم سيل الهجرة الجارف الذي اجتاح الدول الأوروبية من آسيا وإفريقيا عبر البحر المتوسط من جراء الفوضي والحروب التي ضربت العديد من دول الشرق الأوسط وإفريقيا، ما أدى إلى صعود تيارات وأحزاب سياسية عنصرية ومتطرفة مناهضة للأجانب، خصوصاً للمسلمين، بدأت تشق طريقها إلى السلطة وتهدد بإجراءات تتناقض مع لوائح حقوق الإنسان الأوروبية، والسير على خطى «البريكست» البريطانية، ما يعني نهاية الاتحاد الأوروبي.
ومع وصول الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض على صهوة خطاب شعبوي منتقد لأوروبا، ويلتقي مع أفكار أحزاب اليمين الأوروبي، خصوصاً بعد قراراته الرافضة للهجرة، رأى قادة أوروبا أنهم أمام تحديات ومخاطر لابد من مواجهتها بموقف موحد.
وكانت قمة مالطا يوم الجمعة الماضي تعبيراً عن هذا القلق حيث رأى القادة الأوروبيون أن قرار الرئيس الأمريكي رفض استقبال اللاجئين يفاقم من مأساتهم، وطالبوا واشنطن بتحمل «مسؤولية مشتركة» تجاههم، لأن أوروبا لم يعد بمقدورها استيعاب المزيد من اللاجئين.
وإذا كان قرار ترامب استحوذ على حيز كبير خلال مناقشات القمة، فإن ما انتهت إليه في معالجة قضية اللجوء، خصوصاً إقفال البحر المتوسط في وجه اللاجئين وتشديد المراقبة البحرية، ومساعدة ليبيا في تحسين مراقبة مياهها الإقليمية ومحاربة مهربي المهاجرين، أثار استنكار المنظمات الدولية الإنسانية التي رأت في هذه الخطوات «مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى الآلاف من الأطفال الذين يحاولون العبور أو لا يزالون عالقين في ليبيا».
هناك من يرى أن إغلاق الطريق الذي يمتد من ليبيا إلى إيطاليا بهدف تفكيك الشبكة التجارية والمالية للمهربين وتعزيز الأمن على حدود ليبيا و«ضمان ظروف لائقة للمهاجرين العالقين»، لن يحقق النجاح المطلوب في ظل شكوك متنامية حول ظروف بلد مثل ليبيا لا يزال تحكمه الفوضى والميليشيا وغير قادر على بسط سيادته على كل أراضيه.
قمة مالطا ونتائجها المتواضعة لن تجد الكثير من النجاح طالما هناك بؤر توتر وحروب تؤجج الكثير من المآسي التي تدفع إلى اللجوء، وطالما هناك نفير يميني يضرب الولايات المتحدة وأوروبا، ويرفع من منسوب الكراهية ضد اللاجئين وينفخ في نار «الإسلاموفوبيا».

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة