اراء و أفكـار

بوتين عندما «يغضب»!

علي نون
غريب جداً أمر سيد الكرملين: كلما «شعر» ببعض الانزعاج من مواقف أميركية أو أوروبية، ذهب إلى ارتكاب مجزرة جديدة في شرق حلب! وكلما أراد توجيه رسالة ما تشير إلى مدى بأسه وقوته، اختار قاذفاته الحربية بدلاً من الحقيبة الديبلوماسية أو التصريح المتلفز أو الإنترنت ووسائطه التواصلية! ثم أغرب من ذلك: كلما أراد أن يقنع نفسه وأرباب الصناعات العسكرية وتجّار الأسلحة الدوليين، بمدى فعالية ونجاعة «سلاح روسي جديد»، ذهب إلى سوريا وجعل من أهلها حقل تجارب ومعاينة وتدريب حي ومباشر! على ما قال مرة بالفم الملآن!

ومصدر الغرابة الأول، هو أنه يصرّ على اعتماد تلك التكتيكات الدموية المجرمة والمنحطة طالما أن الطرف المستهدف و«المواجه» له هم المدنيون السوريون.. وليس غيرهم والذين «يقاتلهم» من «الفضاء» وليس على الأرض! لكن يكفي تلويح أميركي جدي (وليس تهديداً!) بكبح جماحه أو بإعطاء بعض فصائل المعارضة شيئاً متميزاً من الأسلحة النوعية المطلوبة، كي ينكفئ ويُعدّل مساره! ويعود إلى اكتشاف فضائل «الحل السياسي»!

عاد بالأمس وأغار على أهل حلب. لكن هذه المرة ليس في سياق الحرب المفتوحة لمحاولة إسقاط المدينة، وإنما لـ«إبلاغ» الفرنسيين بمدى «غضبه» من إعلان الرئيس فرنسوا هولاند أنه يسأل نفسه عما إذا كان سيستقبله في باريس في الأسبوع المقبل في ضوء جرائم الحرب التي تُرتكب في حلب! ثم الإصرار، في حال تأكيد موعد الزيارة، على حصر المحادثات خلالها بالملف السوري!

«جريمة» الفرنسيين في رأي بوتين أنهم تحركوا سياسياً وديبلوماسياً وإعلامياً ضد ما يرتكبه في سوريا بالنار والفولاذ والقذائف العنقودية والفوسفورية! ووجدوا من غير اللائق ولا المناسب أن يستقبله هولاند في باريس وكأن الدنيا بألف خير! وأن يحوّل برنامج الزيارة إلى استعراض ومرافعة لمصلحته بعد أن كانت قاعة مجلس الأمن في نيويورك قد تحوّلت إلى محكمة علنية لارتكاباته التي وُصفت بـ«جرائم حرب» ضد الحلبيين!

والواضح أن سيد الكرملين اضطر مرغماً إلى إعلان تأجيل زيارته هذه! وإلا لكان مسح وجهه بيديه وافترض أن سقف قاعة مجلس الأمن كان يدلف من المطر في جلسة ليل السبت – الأحد الماضي! ولكان ذهب إلى استثمار فرصة الوقوف إلى جانب الرئيس الفرنسي في قصر الإليزيه مستعيناً بجلد التمساح من جهة وبالتاريخ من جهة ثانية، حيث أن نيكولا ساركوزي فعلها سابقاً ودعا بشار الأسد إلى حضور احتفالات 14 تموز في باريس في وقت كانت دماء الأحرار والسياديين والاستقلاليين اللبنانيين لا تزال طرية في شوارع بيروت!

المفارقة هي أن هذا النوع من الطغاة والتماسيح، لا يفهم إلا لغة القوة! ولا يستوعب إلا لغة الصدّ الموازية أو الأكبر من لغته وفعله. وإلا لكان (بوتين) استبق إعلان هولاند المهين وقرر وحده أن «كرامته» لا تسمح له بزيارة باريس في ضوء شروط وأسئلة رئيسها، وتحركها في مجلس الأمن وإهاناتها «الفظيعة» لسياساته وارتكاباته في سوريا! لكنه لم يفعل! بل انتظر انتهاء زيارته إلى تركيا، كي «يردّ» على الفرنسيين.. في حلب!

نقلاً عن “المستقبل اللبنانية”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً