اراء و أفكـار

كنت شاهدًا في باريس

د.محمد صالح

د. محمد صالح المسفر
قدر لي أن أحضر مخاض مولد تنظيم عراقي جديد -“المشروع الوطني العراقي”- يضم طوائف وملل ونحل وتنظيمات سياسية وطنية لم تتلطخ أيدي أفرادها وقادتها بدماء الشعب العراقي الشقيق، ولم يكن لهم أي صلة بالعملية السياسية التي شكلها الاحتلال المزدوج الأمريكي الإيراني.

(2)

تنادت شخصيات عراقية في الفترة من 28-29 من شهر مايو 2016 للعمل على تشكيل المشروع الوطني العراقي ليمثل كيانا سياسيا جامعا لقوى المعارضة العراقية الوطنية، بهدف تشكيل عملية سياسية وطنية قائمة على مرتكزات وقواعد جديدة تنبذ الطائفية التي انتعشت في العراق والمنطقة العربية بعد الاحتلال عام 2003، وتشكيل مجلس الحكم الذي بني في الأساس على قواعد طائفية عفنة ثأرية حاقدة، ونتج عن ذلك نظام بني على محاصصة تقاسمها اللصوص. في ظل تلك التشكيلة الرذيلة تم نهب الذاكرة التاريخية لحضارة بلاد الرافدين وبيعت في الأسواق الغربية بأبخس الأثمان، ودمرت مؤسسات الدولة العراقية ونهبت مقتنياتها، ودمرت البنية التحتية وانتشرت الحواجز الطائفية في الشوارع والقرى والأرياف وقبل ذلك في القلوب والعقول والأفئدة.

المشروع الوطني العراقي، الذي تشرفت بأن أكون أحد شهود إعلان ميلاده من العاصمة الفرنسية عاصمة النور الديمقراطي والحرية، يهدف أيضًا إلى رفض كل أشكال الإرهاب والارتهان للقوى الأجنبية أيا كانت.

وأستطيع القول إنه حضر اجتماع باريس المشار إليه أشخاص من الأحزاب الفاعلة في الساحة العراقية -خارج العملية السياسية القائمة اليوم- منهم البعثيين والقوميين والإسلاميين المعتدلين والشيوعيين وكل الطوائف الدينية العراقية دون تمييز، وحضر أشخاص من القوميات المشكلة للمجتمع العراقي الأصيل.

ونتيجة لحوارات واتصالات سابقة بين أطراف تلك القوى أخذت زمنها وأمعنوا النظر والعقل في أمر العراق وما آل إليه، كان عليهم التحرك نحو تجمع وطني عراقي، فتداعوا إلى اجتماع يعقد في باريس وكان لهم ما أرادوا. واستمر اجتماعهم في باريس يومين متتابعين، وبعد مداولات ليست بالسهلة تم اعتماد المشروع الوطني العراقي، وانتخاب قيادة للمؤتمر ولجنة مركزية مؤقتة تضم كل مكونات الشعب العراقي، إلى جانب تشكيل هيئة استشارية للمشروع تعمل على ترتيب انعقاد المؤتمر العام الأول خلال فترة زمنية قريبة.

(3)

شارك في اجتماع باريس رئيس وزراء فرنسا الأسبق دومنيك دو فليبان بكلمة مؤثرة استعرض فيها حال العراق وما أحاق به من مآسٍ، وقال إن الوقت قد حان ليقف أبناء العراق من أجل عمل وطني ينقذ العراق مما هو فيه. وتحدث ضيوف آخرون من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ودول عربية، وكلهم يحضون القيادات العراقية التي لم تتلوث بأوساخ العملية السياسية القائمة اليوم في بغداد التي تسوم الشعب العراقي الشقيق الويل والأهوال التي يعجز التاريخ عن وصفها.

ومن متابعتي لوسائل إعلام التواصل الاجتماعي، لاحظت هجوما غير مبرر على اجتماع باريس، وليس هناك حجة يعتد بها لرفض أو انتقاد اجتماع باريس وما نتج عنه. يقول أحدهم: لماذا يعقد الاجتماع في باريس؟ لماذا لم يعقد في دولة عربية؟ ويقول إنه ضد هذا التجمع. وسؤالي: هل هناك دولة عربية ستسمح بعقد اجتماع كهذا يعمل على الإطاحة بالعملية السياسية في بغداد؟ وهل ستصدر لكل المدعوين تأشيرات دخول إلى تلك الدولة لحضور الاجتماع إذا وافقت من حيث المبدأ على اللقاء؟ ويقول آخر إن الأمريكان حاضرون ومتصدرون لجلسات المؤتمر، وهذا إعلان بالتبعية للمحتل الأول للعراق، وأقوال أخرى أترفع عن الإتيان بذكرها.

لقد تحدث الضيوف الشهود من العرب وغير العرب على ميلاد هذا التنظيم الوطني الذي لا غبار عليه بأحسن العبارات والتأيي،د وهم برلمانيون وليسوا في الخدمة العسكرية. وعبر بعضهم عن أسفه لما حدث في العراق لكنهم أكدوا أنهم سيشرحون لناخبيهم حال العراق اليوم، والأمل الذي يحدوهم لنجاح هذا التنظيم الجديد ليقود العراق إلى بر الأمان بعيدا عن العنف والإرهاب والطائفية الحاقدة.

والحق لقد فعل المنظمون خيرا عندما دعوا ذلك العدد من الأجانب غير العرب لحضور المؤتمر، ليكونوا شاهدين على أن التنظيم الجديد ليس مثل التنظيمات السابقة التي مهدت للاحتلال، لأن هدف تلك التنظيمات الطائفية كان الاستيلاء على العراق بكل مقدراته وربطه بإيران تدعيما لتكريس المذهبية الحاقدة، ليس في العراق ولكن في منطقة الشرق الأوسط خاصة الوطن العربي.

إنني من المواطنين العرب الذين دافعوا وما انفكوا يدافعون عن وحدة العرق وسيادته واستقلاله، ويدعوا إلى التخلص من كل براثن الطائفية ودحر نظام المحاصصة، فإنها شر مستطير. إنني أؤمن بأن الخليج العربي لن يستقر حاله والعراق الشقيق يعيش في كبد، ودماء أبنائه تنزف وماجدات العراق بلا موئل وبلا عائل. إن الحقد المجوسي ظهر بكل جلاء في معارك إبادة أهل الفلوجة دون تمييز، ورأينا كيف جُزت رقاب شرفاء ومشايخ وأحرار الفلوجة ووضعت الرؤوس في صحون الضيافة لقادة الطائفية الحاقدة.

آخر القول: من أجل عراق حر مستقل ومن أجل خليج عربي آمن، على دول مجلس التعاون نصرة هذا التنظيم الوليد “المشروع الوطني العراقي” بكل الإمكانات وإلا سنكون من الخاسرين.

 

نقلا عن “الشرق”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً