اراء و أفكـار

الخلل في صنع القرار

عندما يتخذ صانع القرار في الدول الغربية أو الدول الديمقراطية في أي بلد آخر موقفاً سياسياً، أو يعلن عن استراتيجية معينة، فهو لا يستند إلى موقفه الشخصي أو إلى رؤيته تجاه الوضع الداخلي الأمني أو الاقتصادي أو التنموي أو الاجتماعي، أو فيما يتعلق بالسياسات الخارجية. صانع القرار وحكومته هما أداة تنفيذية لمحصلة مواقف يجمع عليها أهل الرأي والفكر ومراكز الأبحاث والفكر السياسي ، بعد تنقيتها وتنقيحها بما يتناسب ومصلحة الدولة وإمكاناتها في مختلف الميادين، وشرطها الأول هو القدرة على تنفيذها.
صانع القرار هو فرد لا يستطيع وحده مهما أوتي من قدرة وفكر أن يلم بكل التطورات والتحولات في عالم يتسم بالسيولة وعدم الاستقرار والتغير، هو يحتاج إلى نخبة وخبراء ومناقشات تستخلص زبدة الأفكار وتقدمها على شكل خريطة طريق يهتدي بها صانع القرار أو يصوغها على شكل استراتيجية عامة للدولة، تأخذ في الحسبان المواقف الراهنة واحتمالات المستقبل على ضوء ما يتوصل إليه خبراء الدراسات المستقبلية.
في عالمنا العربي نفتقد تقريباً لكل ذلك. وإن وجدت مراكز الفكر والدراسات وقدمت ما لديها من رؤى فهي إما لا يؤخذ بها وتهمل، وإما أنها تفتقر إلى التحليل الصحيح والقدرة على استنباط الحلول الواقعية للأزمات والمشاكل، وإما أنها تمارس التزلف، وفي كل الحالات يبقى الرأي الأخير لصاحب القرار في قمة السلطة، فهو الآمر الناهي الحصيف المفكر النابه الذي لا يشق له غبار ويستطيع أن يفكر عن الجميع.
هنا مأزق جل الأنظمة العربية التي لم تتعود على الديمقراطية والتعددية، والأخذ بتعدد الأفكار وتنوعها، أو ما يسمى العصف الفكري الذي لا بد أن تنتج عنه مجموعة رؤى وحلول مبدعة لقضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية تحتاج إلى جهد جماعي، كما هو معمول فيه في دولة الإمارات التي تجدّ المسير في ركب التطور وتبوؤ المواقع المتقدمة عالمياً في مجالات متعددة.
هذه الفجوة بين مركز السلطة ومراكز الفكر والخبرة لا بد أن تؤدي إلى خلل في النظام السياسي وفي صناعة القرار، وهو ما يتجلى في معظم الدول العربية من مواقف وسياسات تغلب عليها الشخصنة ، وخصوصاً فيما يتعلق بإدارة السياسات في العلاقات العربية – العربية، ما أدى إلى فقدان النظام شرق الأوسطي خاصيته العربية، بفقدان قدرة الأنظمة على أن تلعب دور القاطرة أو نقطة الثقل، الأمر الذي أدى إلى تفكك النظام العربي، بل وتفتيته إلى أشلاء متصارعة ومتطاحنة على أسس طائفية ومذهبية وإثنية جراء بروز الهويات دون الوطنية والقومية، وهذا أدى بالتالي إلى فراغ قوة بدأت تملؤه قوى غير عربية، وهذا أمر من طبيعة الأشياء، إذ إن الفراغ في عالم يموج بالحركة والتبدل لا بد أن يجد من يملؤه.
لا بد من تحرّك عربي سريع وفعّال لمحاصرة هذا الواقع الأسود وتطويق الحرائق التي تلف المنطقة العربية، من خلال تنظيم الاختلاف واحتوائه، وإعطاء دور لرجال الفكر والبحث في تقديم الحلول العقلانية التي تساهم في الحل.

نقلا عن الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً