اراء و أفكـار

تحديات حاسمة في سماء الشرق

داود البصري
منذ خمسة أعوام والشرق الأوسط يتقلب على الجمر، وتدور فيه وحوله مشاهد تاريخية متحولة لصراعات إنسانية كبرى، وتدور حروب رسم وتغيير الخرائط وتحديد مسارات المستقبل، بتكلفة دموية ومادية عالية ترجمت كل معاني تشابك الملفات وتداخل الخلافات.
وتشكل الحالة المتوترة الراهنة في الشرق، وحيث تتقاطع كل الرؤى والتصورات والأفكار وحتى الجيوش في حروب إقليمية مفتوحة على مختلف الاحتمالات، وضعا تاريخيا متميزا في ملف إدارة الصراع الإقليمي والدولي. كما تمثل التحديات القائمة هاجسا نفسيا وعبئا ماديا كبيرا على شعوب المنطقة، بعد فتح صندوق العفاريت وتبلور الخلافات، وبعضها ذو أبعاد تاريخية وبما يهدد بإعادة تشكيل خارطة المنطقة. من الواضح أن حالة التشابك الإقليمي القائمة حاليا قد أتعبت جميع الأطراف، ما انعكس على الأوضاع الاقتصادية وعلى مستقبل التنمية والتطور لشعوب المنطقة المبتلاة بالحروب المتتالية منذ ثمانينات القرن الماضي. وبما شكل حالة استنزاف رهيبة لمقدرات اقتصادية كبرى كان يمكن لها لو أحسن استغلالها أن تنقل الشعوب لمرحلة حضارية جديدة ومختلفة! ولكن ما باليد حيلة. فالصراع السوري امتد لخمسة أعوام، كانت حافلة بالتدمير الذاتي وباستنزاف الشعب وسنوات طويلة من التسلح المبني على شعارات الصمود والتصدي والتوازن الستراتيجي التي كان يرفعها النظام السوري، كواجهة ثورية مزيفة له، ففي نهاية المطاف وفي لحظات المفاصلة والتحدي، اتضح زيف أربعة عقود كاملة من التعبئة والتحشيد الجماهيري المخادع وتبين أن أطنان السلاح المتكدس لم تكن من أجل تحرير الأرض والعرض والكرامة، بل من أجل إفناء الشعب واستئصال الأصوات الحرة، وتحويل سورية لقلعة رعب إقطاعية بشعارات ثورية مزيفة. فلم يكن في المشهد السوري غير صور الدمار والجثث والمدن المدمرة على رؤوس أهاليها بسلاح الصمود والتصدي! ويالها من خديعة تاريخية وفجيعة مرة! أما العراق فبعد عقود من الحروب والصراع من أجل إنهاء الاستبداد وبناء الديمقراطية المزعومة، تبخر الحلم عن وقائع مأساوية لنخب سياسية طائفية فاشلة هيمنت على المشهد ومارست فنون السرقة والتدمير وإدارة الحرب الطائفية المجنونة وتحت هدير الشعارات الديمقراطية التي كفر بها الناس بل ان اليأس والاحباط وصلاً لحد الإشادة بمناقب الدكتاتورية والاستبداد. وفي ذلك قمة الفشل لأحزاب ونخب لم تستطع ترجمة شعاراتها المرفوعة لواقع ميداني معاش ومتجسد. بل كانت الكارثة سيدة الموقف، وللعراق موعد مقدس مع الكوارث والمصائب والدماء عبر تاريخه الطويل الموجع. فالحرب الأهلية بين المكون الطائفي الواحد أضحت هي الواقع الملموس وسط الحريق العراقي الكبير الذي يأبى أن تنطفئ نيرانه المستعرة. وحتى في أقصى الغرب العربي تتجمع سحب توتر مشتعلة على جبهتي الحدود المغربية الجزائرية، بشأن تفاعلات النزاع حول ملف الصحراء المغربية وحيث تتقاطع أطراف ومصالح عدة تتشابك مصالحها في هذا الملف المشتعل منذ نوفمبر 1975، ووفق مراحل متباينة وصلت لحدود الحرب المفتوحة بين أطراف الاتحاد المغاربي، والذي هو اليوم مؤسسة مجمدة فعليا، حرائق المشرق وتوتر المغرب والحرب المفتوحة في الجنوب العربي في اليمن؟ والمخاطر القائمة في دول الخليج العربي من تنظيمات وشبكات تجسس وإرهاب، جميعها عوامل وإرهاصات تجعل من حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني حالة سائدة تضطر للتعايش معها شعوب المنطقة. كثير من الملفات الشائكة هي اليوم بحاجة لحسم، لكن أخطر الملفات قاطبة ملف الجماعات الإرهابية الذي يؤرق المنطقة وشعوبها، فالإرهاب داء العصر الحديث يشكل صورة متحولة لأوضاع شاذة لابد أن تنتهي، وعزل الجماعات الإرهابية هو الخطوة الستراتيجية التي ينبغي العمل الجماعي الحثيث لإتمامها، فشعوب المنطقة كانت منذ ثمانينات القرن المنصرم تحت مطرقة إرهاب تلكم الجماعات، التي آن أوان تصفية الحساب النهائي معها، من أجل شرق آمن متطور يستفيد من إمكانياته المهدورة في عمليات البناء والتحديث والعصرنة، والسباق بين الحرب والسلام يظل الهاجس الثابت حتى مرحلة الحسم مع الإرهاب، وهي مرحلة وحرب مفتوحة تظل نتائجها مفتوحة لمختلف الاحتمالات.

نقلا عن “السياسة الكويتية”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً