اراء و أفكـار

أوباما الآخر

عودنا الرؤساء الأمريكيون في أواخر عهودهم، أو بعد أن يخرجوا من البيت الأبيض أن يقولوا ما لم يستطيعوا قوله وهم في سدة الحكم. فمنهم من دوَّن مواقفه السياسية في كتب سجل فيها مذكراته عن الأيام التي قضاها على رأس السلطة، ومنهم من اختار وسائل الإعلام من صحف وتلفزيون ليعلن فيها مواقف لم يتجرأ أن يقولها علناً من قبل.
لكل رئيس أمريكي مواقف من الأحداث التي واجهها وهو في البيت الأبيض، تختلف عن المواقف التي عرفها عنه الناس، وهو خارجه، وهي مواقف تختلف عما كانت تسمح السلطات بنشره أو تسريبه.. فيبدو الرئيس الأمريكي في الحالتين وكأنه رئيسان أو كأنه مصاب بانفصام الشخصية، فما كان يقوله وهو في السلطة، أو ما كان ينقل باسمه يختلف عما قاله بعد الخروج أو وهو يهم بالخروج.
الرئيس باراك أوباما لم يشذ عن القاعدة، فما قاله مؤخراً لصحف أمريكية حول عدد من القضايا التي شغلت العالم خلال السنوات الأخيرة، وموقفه منها كان مفاجئاً للبعض ومثيراً لغضب البعض الآخر، لأن ما قاله لم يكن معروفاً على الأقل لدى عامة الناس، بل كان الانطباع العام أن مواقفه من تلك القضايا هي نفسها التي كان يعلن عنها في ذلك الحين، وخصوصاً تجاه التطورات التي أودت بليبيا إلى الفوضى وانتشار الإرهاب فيها، ثم تجاه الأوضاع في سوريا وتحديداً ما تعلق ب«أزمة الأسلحة الكيماوية» ومراهنة البعض على تدخل عسكري أمريكي مباشر.
عندما يجد الرئيس الأمريكي أنه بات متحرراً من عبء منصبه أو يكاد، وأن قيود المؤسسة الأمريكية صارت أخف وطأة، وكذلك الأصول البروتوكولية في التعامل مع الدول وقادتها، وضرورات المصلحة السياسية لم تعد هي نفسها كما من قبل.. إزاء كل ذلك يخرج الرئيس الأمريكي عن صمته، و«يبق البحصة» ويقول ما لا يقال أوما لم يستطع قوله قبل ذلك، على قاعدة «قل كلمتك وامش».
لكن ما قاله أوباما حتى الآن يبدو أنه مجرد نزر يسير من مواقف إزاء قضايا دولية أخرى وعلاقات مع قادة دول لم يحن أوان قولها بعد، بانتظار أن يخرج من البيت الأبيض كي يتحدث عنها ويكشف أسرارها وملابساتها في مذكرات أو أحاديث صحفية.
بعد أشهر قليلة يخرج أوباما من البيت الأبيض ويخلي منصبه لرئيس آخر قد يكون جمهورياً أو ديمقراطياً، لكنه سيترك بصمة في تاريخ أمريكا والعالم الذي شهد تحولات كبرى وتطورات خطيرة معظمها كانت على ساحتنا العربية، وتحديداً ما يتعلق بالإرهاب وتداعياته، وما فعله ويفعله في معظم دولنا من ارتكابات مشينة باتت تهدد وجودنا كأمة عربية.
عندما يخرج أوباما من وراء أسوار البيت الأبيض لن «يلعب الدومينو أو الذهاب إلى ستاربكس أو تبادل القصص مع زوجته» كما قال لمقدم البرامج الأمريكي ديفيد ليترمان، بل سيجد فرصة للحديث عن تجربته كأول رئيس أسود للولايات المتحدة، ومواقفه الشخصية تجاه أحداث عالمية شارك في صنعها أو داهمته على حين غرة. ولعل بعض ما قاله حتى الآن مجرد «تمرين» أو «تسخين».

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً