اراء و أفكـار

ساندرز وحرب العراق

جيمس زغبي
تعرّض المرشح «الديموقراطي» في الانتخابات التمهيدية الأميركية بيرني ساندرز للانتقاد الحاد لأنه أعرب صراحة عن رأيه بشأن السياسة الخارجية لواشنطن. فهو ذكّر الناخبين مراراً بمعارضته المبكرة لحرب العراق. وفي هذا الإطار، أشار ساندرز إلى كلمة ألقاها في تشرين الثاني 2002، أوضح فيها خمسة أسباب مهمة لخشيته من تداعيات تلك الحرب.
وقد رفض المنتقدون مقاربة ساندرز للشؤون الخارجية، وتجاهلوا خطابه المهم، علماً أنه يستحق الاهتمام تحديداً لأنه بعيد النظر. وفي ما يلي، بإيجاز، الأسباب الخمسة التي طرحها في 2002 لمعارضته حرب العراق:
أولاً، لم تقدّم إدارة بوش تقديرات بشأن عدد الأميركيين الذين يمكن أن يموتوا في الحرب، أو العراقيين الذين قد يُقتلوا جراءها.
ثانياً، أبدى ساندرز قلقه من انعكاس ذلك على دور القانون الدولي والأمم المتحدة في حل النزاعات.
ثالثاً، أعرب ساندرز عن خشيته من احتمال أن يؤدي الهجوم على العراق إلى تقويض الحملة العالمية ضد الإرهاب.
رابعاً، في ظل مواجهة أميركا أعباء ديون محلية تناهز ستة تريليونات دولار وعجز متزايد، فإن خوض حرب يليها احتلال طويل الأمد من شأنه أن يكون باهظ التكلفة.
خامساً، تساءل ساندرز عن «التبعات غير المقصودة» للحرب: فمن سيحكم العراق بعد صدام؟ وما هو الدور الذي ستلعبه واشنطن في الحرب الأهلية التي يمكن أن تندلع لاحقاً؟ وهل سيزعزع المتطرفون، كرد فعل على الحرب، حكومات أخرى في المنطقة؟ وهل سيتفاقم الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين؟
ولفهم أهمية هذه الأسباب، يُفيد أن نستذكر الرواية المزيفة التي ساقتها إدارة بوش قبل الغزو، وما حدث بالفعل نتيجة القرار الكارثي بخوض الحرب. فقد أطلقت مجموعة من الأكاذيب، أولاً بشأن برنامج صدام النووي، وثانياً برسمها صورة وردية حول النتائج التي ستعقب الإطاحة بالنظام العراقي.
وقد طمأن مسؤولو وزارة الدفاع الكونغرس بأن الحرب ستحتاج فقط إلى ما يتراوح بين 60 ألف و90 ألف جندي، وتوقعوا الإطاحة بنظام صدام خلال ستة أسابيع فقط، وأن الحرب ستستغرق ستة أشهر حتى الانتصار، وهو ما يكلف الولايات المتحدة ملياراً إلى ملياري دولار لا غير.
وبالطبع، فما حدث كان قريباً من توقعات ساندرز. فبعد ثمانية أعوام من الحرب الدامية والاحتلال، قتل أكثر من 4600 أميركي، ودُمّرت حياة عشرات الآلاف بسبب العاهات المستديمة واضطراب ما بعد الصدمة. ومن أكثر النتائج المقلقة لهذه الحرب كان انتحار 22 محارباً قديماً كمعدل يومي، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة خسرت بسبب حالات الانتحار أكثر مما خسرته أثناء الحرب بأسرها. فيما تقترب تكلفة الحرب والاحتلال والرعاية طويلة الأمد للمحاربين المصابين من ثلاثة تريليونات دولار.
وما يضاعف من المأساة هو مقتل مئات آلاف العراقيين في الحرب والصراع الأهلي الذي تلاها. فبتفكيكها المؤسسات العراقية ومحاولتها تأسيس حكومة محاصصة طائفية، أذكت إدارة بوش التوترات الطائفية التي أسفرت عن حملات تطهير عرقي ونظام سياسي فاشل. وبدلاً من هزيمة الإرهاب، أسهمت الحرب في تأجيجه، إذ انتشر تنظيم «القاعدة» ووريثه «داعش» في 16 دولة على الأقل. وفي الوقت ذاته، أفضت الحرب وسلوكياتنا التي أظهرناها في «أبوغريب» و«جوانتانامو» إلى تراجع شديد في احترام أميركا وتأييدها في أنحاء العالم، وهو ما وضع بلادنا في خطر أكبر.

نقلا عن ” السفير”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً