اراء و أفكـار

موضع الالم و نقطة ضعف طهران

نزار جاف

هذا البيت الشعري حضرني وأنا أتابع التطورات و المستجدات في قضية إعدام رجل الدين السعودي المعارض نمر النمر والتي هولت من أمرها الجمهورية الاسلامية الايرانية الى أبعد حد بحيث جعلتها قضية الساعة وعملت على جعلها تطغى على باقي القضايا الاخرى، وهو أمر يثير الكثير من التحفظات والتساؤلات بشأن هل إن دم رجل الدين هذا من صنف ودماء الالاف المؤلفة من المدنيين العزل الذين يتساقطون في سورية واليمن وحتى العراق نفسه بسبب تدخلات طهران من صنف آخر؟ ظهور الجمهورية الاسلامية الايرانية أسس لمرحلة لم تكن معروفة ولا مألوفة قبلها، حيث عمدت الى شرعنة وقوننة التدخل في الدول الاخرى وفرض الوصاية عليها تحت ستار الدين، وقد تميزت هذه المرحلة بمجموعة خصائص أهمها: مهدت لظهور الطائفية وخضوع 4 عواصم عربية لطهران وتأسيس أحزاب وميليشيات من جانب طهران وبروز قادتها كصقور للدفاع عن المصالح الايرانية. تهديد الامن الاجتماعي لدول مثل (مصر، السودان، المغرب، الجزائر والصومال و غيرهم من جانب جهات خيرية أو حتى ديبلوماسية تابعة للجمهورية الاسلامية الايرانية، الى جانب بروز ظاهرة التطهير الطائفي كما حدث ويحدث في العراق وسورية. الحقيقة التي صارت دول المنطقة مقتنعة بها تماما، هي ان ايران ومن خلال السياسة التي تنتهجها في المنطقة، صارت تشكل خطرا على الامن القومي الخاص بها، وان سياسة الدفاع السلبي التي اتبعتها هذه الدول لم تعد تجدي نفعا خصوصا وان طهران لا تخطو خطوة إلا وتتبعها بخطوات أخرى لاحقة ما يعني انها ستدخل رويدا رويدا على الجميع وتفرض وصايتها بصورة أو بأخرى، وإن هذا الذي صارت جميع الدول تترقبه في نهاية المطاف، ولذلك فإن سلسلة التحركات السعودية التي بدأت بعملية عاصفة الحزم ومرورا بالتحالف الاسلامي لمحاربة الارهاب وانتهاء بإعدام الـ47 متطرفا ومن بينهم رجل الدين الشيعي نمر النمر، يبدو وكانه مسعى عربي إسلامي من أجل أخذ زمام المبادرة من ايران وسحب البساط من تحت قدميها. التحركات السعودية ومع ماسببته من ردود فعل عنيفة وغاضبة من جانب طهران، فإنها لم تصل الى مسكها من موضع الالم و إطارة صوابها، ذلك انها «أي طهران»، ما زالت حتى هذه اللحظة ورغم كل ماتكبدته من ضربات سياسية وعسكرية و أمنية موجعة من جانب السعودية، مازالت تحتفظ برباطة جأشها، وهو مايعني بإن الكفة في معادلة الصراع لاتزال مرجحة لصالحها. «تستطيع أن تكتشف أكثر مايخيف عدوك من خلال مراقبة الوسائل التي يستخدمها لإخافتك»، قول مأثور للكاتب الاميركي أريك هوفر، وعلى دول المنطقة عموما وتلك المتضررة من سياسات طهران، التمعن في هذا القول جيدا، ذلك ان طهران التي شكلت وعلى مرأى ومسمع من دول المنطقة أحزابا و ميليشيات متطرفة تخضع لها عقائديا وعسكريا ومن ثم استخدمتها وتستخدمها ضد بلدان المنطقة نفسها، فإنه حري بدول المنطقة أن ترد الصاع صاعين لطهران، وهنا لايستدعي الامر تشكيل أحزاب أو ميليشيات معارضة في إيران، حيث إن هناك معارضة إيرانية نشيطة و فعالة متمثلة بمنظمة «مجاهدي خلق» التي تثير حنق و غضب رجال الدين في طهران و تفقدهم صوابهم. «الطريقة الوحيدة للتنبؤ بالمستقبل هي أن تكون لديك القدرة على صنعه» كما يقول الكاتب الاميركي ذاته، وإنه من الضروري جدا على دول المنطقة أن تباشر لمسك طهران من موضع الالم و نقطة ضعفها طالما قد حدث ماحدث و وصلت الامور الى المفترق الحالي، وجدير بدول المنطقة أن تفر قليلا وأن تضع حدا لأسماء ساهمت بصمتها ودفاعها السلبي في صناعتها نظير حسن نصرالله و هادي العامري ونمر النمر ومن لف لفهم، وإننا نتساءل: أين كانت هذه الاسماء أيام كان معارض إيراني بارز كمسعود رجوي يخطب في أكثر من 300 ألف في طهران بدايات الثورة هناك؟ المطلوب حاليا إشراك العنصر الايراني في المواجهة الدائرة ضد طهران وإن الاعتراف بمنظمة مجاهدي خلق بإعتقادنا هي البداية المثلى بهذا السياق و إن مجرد إعلان الاعتراف هذا كاف ليحدث رد فعل غير مسبوق في تأريخ الجمهورية الاسلامية الايرانية.

 

نقلا عن “السياسة الكويتية”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً