اراء و أفكـار

إيران الطائفية أخطر من برنامجها النووي

عادل النيل
السلوك السياسي لإيران عقب الاتفاق النووي وحصولها على تحالف قوي مع روسيا وتراخ أميركي منهجي، جعلها دولة أكثر عدائية وشراسة لاستعادة ما فاتها من خططها التوسعية في المنطقة العربية ومحيطها الإسلامي، وذلك يعادله فقدان لدورها في أن تكون إضافة للمسلمين من خلال أدوار غير مصادمة تستهدف التوسع والعمل على تآكل أدوار غيرها، وهي وإن كانت قوية سياسيا وعسكريا إلا أنها ضعيفة في عمقها الستراتيجي، وذلك نجحت في تغطيته بخطاب سياسي وإعلامي غليظ.
إيران نجحت في الاحتفاظ بمنهجها السياسي وتطويره، وفشل العرب، هي تمتلك خطط واضحة وأدوات في يدها، ويفتقد العرب ذلك، استطاعت اختراق الدول العربية, بل والإسلامية، ولم يفعل العرب شيئا في اختراقها، بنت آلة إعلامية جادة وبأهداف صحيحة، واعتمد العرب على أدوات إعلامية ركيكة وبلا هدف غير أن أضعفت المناعة المعرفية للمجتمعات، أثبتت للغرب أنها يمكن أن تكون حليفا جدّيا كما في عهد الشاه، بينما قدّم العرب أنفسهم بأكثر من وجه ولسان والغرب لا يحتمل تشويشا في تحالفاته وارتباطاته.
حسنا, نحن الآن أمام دولة تم السماح لها بأن تكون قوية ومهددة لأمن واستقرار أي دولة عربية، ولا يمكن إعفاء المنظومة العربية من ذلك السماح، وقد أعلنت أنها تسيطر على أربع عواصم عربية ولديها تحالفاتها وارتباطاتها مع أخرى لا تسيطر عليها كما فعلت في الحالات الأربع، وهي خصم عنيد في كل قضية يكون العرب طرفا فيها، ولديها الجرأة للتعبير عن نفسها في أي قضية عربية، فيما لا يوجد العرب في أي قضية تكون طرفا فيها، بما فيها قضية الأحواز.
ليس السوء في تدخلات إيران السياسية في الشأن العربي، فإسرائيل أصبحت مغروزة في الخاصرة منذ اربعينات القرن الماضي ويتم التعامل معها حاليا كأمر واقع، ولكن في أن إيران باتجاهاتها العدائية تنفذ سياسة توسعية ضارة بالمسلمين، إذ أنها لا تعمل على تعزيز التعايش بين الطوائف والمذاهب، وإنما تأتي بمنطق الاستنصار الكامل الذي ينحاز لطائفة على حساب أخرى، هي مصدر خطر أكيد في فعلها ورد فعلها الطائفي، وصول حال الأمة الإسلامية الى سياق طائفي تنافسي تقوده إيران بمثابة لحظة حقيقة كارثية.
السلوك السياسي لإيران لا يستهدف المحيط العربي في سياقه العربي، فتلك العروبة فكرة عرقية محدودة في الأدبيات الدولية، ولا وزن لها بعد عقود من الخيبات والهزائم والانهيارات، ولكن العالم ينظر الى التقسيم الديني للمسلمين من زاوية طائفية لن يقف فيها مع طرف خاسر، وحالة الروهينغيا ومسلمي أفريقيا الوسطى خير دليل على تجاهل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لإبادة المسلمين في وضح النهار، حتى أن بان كي مون لم يكلف نفسه مشقة الإدانة أو القلق الذي ينبغي أن يتناسب مع تلك الجرائم.
إيران بصورة عملية ومنهجية فقدت ميزة أن تكون إضافة للإسلام والمسلمين من خلال العمل النزيه على التعايش الطائفي والتقارب المذهبي، وطالما أنها تحتفظ بمنهج توسعي فهي لن تتوقف، وستواصل استنزاف القوى الإسلامية الكبيرة، وتضع يدها مع من يمكن أن يكونوا حلفاء يمتلكون منهجا متخارجا من تحالفات ربما يرون أنها غير مجدية أو غير كافية لتحقيق مصالحهم.
تصرفات إيران في سورية واليمن والعراق ولبنان، ليست ذات سياق عربي، وإنما تطبيقا لمنهج يمتد في قلب الخريطة الإسلامية، ترغب في حضور يتناسب مع المشروع التوسعي، فالأمة العربية من السهل تشتيت انتباهها، ولا يمكنها أن تقاتل في أكثر من جبهة، بينما إيران يمكنها ذلك، عمليا اختطفت سورية والعراق، وما من شك في أن نياتها ترتبط بمبدأ التوسع على أساس طائفي وديني، ذلك ما يجعلها مزعجة ومقلقة، وهي قد تحقق أهدافها وتنجح لأن العرب يتعاملون بأكثر من أسلوب متباين مع قضاياهم فيخسرون.
في العراق أظهرت إيران رد فعل مبالغ فيه تجاه تركيا عقب إسقاط الطائرة الروسية، فبعد أن طلب رئي سالوزراء حيدر العبادي مرارا مساندة تركية أكثر فعالية ضد تنظيم»داعش» الآن يهدد باللجوء الىمجلس الأمن إذا لم تسحب تركيا قواتها من شمال العراق، وذلك ليس قوله وإنما قول طهران التي تملك مفاتيح اللعبة السياسية في العراق، ولا يتصوّر أن يأتي رد فعل عربي ضاغط على العبادي لأنه ببساطة لا يوجد.
وزيرالخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو أكد أن بلاده تختلف بشدة مع سياسة إيران في سورية والعراق، وأن السياسات الطائفية لإيران خطيرة على المنطقة، وهنا نصل الى إضافة أخرى مثيرة للاهتمام وهي أن إيران أصبحت أكثر جرأة وحدّة مع طرف إسلامي آخر في المحيط المجاور، وبما سبق ذلك من حدّة مع السعودية فإن قوة إيران الطائفية تصبح أخطر من برنامجها النووي.
إن لم يتم احتواء إيران بمزاجها الطائفي في حالة إسلامية تستعيد قيم التعايش والتقارب، فإنها ستظهر عقب الانهيارات الحالية في المنظومة العربية أكثر جرأة على التوسع الديني، وعلى ذات الأسس الطائفية، وستزداد حالة الاستقطاب المذهبي بصورة عنيفة وعدائية من المحيط الى المحيط، فهي تعبث في القلب والى أن تضعفه، وهي سالمة تماما، ستتغير وقائع الأحوال بأوسع مما يمكن تصوره.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً