اراء و أفكـار

فرنسا..إلى اليمين

اذا كانت الانتخابات تشكل أحد وجوه الديمقراطية حيث يترك للشعب حرية اختيار ممثليه تعبيراً عن إرادته، باعتبارها أحد حقوق الإنسان، وهي بالتالي ترجمة لمفهوم حكم الشعب بالشعب وللشعب، فإن الانتخابات تفرز في بعض الأحيان ممثلين تكون نتائج ممارساتهم للحكم باهظة التكلفة على شعوبهم وعلى غيرهم من الشعوب، كما حصل في ألمانيا وإيطاليا قبيل الحرب العالمية الثانية.
وإذا كان لاختيار النازية والفاشية آنذاك أسبابه جراء ما سببته نتائج الحرب العالمية الأولى من آثار وتداعيات سياسية واقتصادية وجرح للكبرياء الوطنية والحس القومي على كل من ألمانيا وإيطاليا بسبب هزيمتهما.. فإن الخيار الشعبي عادة ما يتأثر بالواقع الذي ينعكس في صناديق الاقتراع على أمل أن يكون الاختيار رافعة لحل الأزمات وتوحيد الأمة واستعادة الشعور القومي والوطني.
الانتخابات الإقليمية الفرنسية التي جرت مرحلتها الأولى أمس الأول، وحقق فيها اليمين المتطرف الممثل ب«الجبهة الوطنية» التي تتزعمها مارين لوبن فوزاً واضحاً على الحزب الاشتراكي بزعامة الرئيس فرانسوا هولاند والحزب الجمهوري بزعامة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي.. هذه النتائج التي وضعت اليمين بالمرتبة الأولى والتي تؤشر إلى تحول واضح في مزاج الناخب الفرنسي، وبما يتناقض مع تراث الثقافة الديمقراطية لدى المواطن الذي يرفض التطرف تاريخياً.

لكن يبدو أن لوبن استطاعت بحنكة سياسية أن تستثمر العمليات الإرهابية التي جرت في فرنسا، بعد حادثة صحيفة «شارلي إيبدو» في 7 يناير/ كانون الثاني الماضي والعملية التي استهدفت باريس الشهر الفائت، وإطلاق العنان لما يسمى «الإسلاموفوبيا» لتخويف الفرنسيين من المهاجرين المسلمين، واستخدامهم «فزاعة» في حملتها الانتخابية. كما استغلت معدل البطالة المرتفع والبيانات الاقتصادية السيئة والدين الحكومي المرتفع وبطء الإصلاحات لتحقيق إنجازات انتخابية غير مسبوقة أو محسوبة، حيث كان رد فعلها الأولي على هذا الانتصار بقولها «الآن أصبح حزب الجبهة الوطنية الحزب الأول في فرنسا»، مشيرة إلى أن الحزب حقق «نتائج عظيمة» على أمل أن تترجمه في الانتخابات الرئاسية المقبلة العام 2017.
كذلك لعب تشرذم الأحزاب الأخرى ( الجمهوريون والاشتراكي والشيوعي واليسار والخضر)، ورفضهم تشكيل تحالف فيما بينهم دوراً في صعود اليمين المتطرف، إذ أعلن ساركوزي أنه لن يسعى إلى تشكيل تحالف مع الحزب الاشتراكي ولن يسحب مرشحي حزبه في الجولة الثانية من أجل عدم تمكين «الجبهة الوطنية» من الفوز فيها.
الصحف الفرنسية وصفت نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات الإقليمية ب«الزلزال السياسي» نظراً لما يمكن أن يتركه فوز اليمين المتطرف إذا ما تحقق، من تداعيات على الداخل الفرنسي وعلى علاقات فرنسا الأوروبية وعلى أوضاع العرب والمسلمين في فرنسا..ما يهدد النموذج الفرنسي في الصميم، وأيضاً القيم الفرنسية في العدالة والحرية والمساواة.
أن تتجه فرنسا إلى اليمين، فهذا جرس إنذار قد يتردد صداه في كل أوروبا، ما يؤثر في مستقبل الاتحاد الأوروبي الذي يعيش الآن حالة لا يحسد عليها جراء تفاقم أزمة اللاجئين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً