اراء و أفكـار

لكي لا يغدو الفساد ثقافة

أيمـن الـحـمـاد

مكافحة الفساد تحدّ مهم يجب أن نجتازه بنجاح، إذ إن القضاء على هذا التجاوز والانحراف الخطير يعد اليوم مطلباً دولياً، خصوصاً لدى الدول النامية، التي ترى الفساد عائقاً رئيسياً يقف حائلاً دون نهوضها، ويعرقل مسيرتها نحو التطور لما له من انعكاسات اقتصادية وتجارية واضحة، وعلاوة على ذلك تنسحب تأثيرات الفساد على أخلاق الناس، وهنا مكمن خلل قد يصعب إصلاحه، وقد يتطلب ذلك وقتاً طويلاً من الزمن.

ويعد اجتثاث الفساد أمراً ضرورياً عند تبني أية إصلاحات اقتصادية، فتلك الإصلاحات إن كان الهدف منها على سبيل المثال؛ تشجيع رؤوس الأموال الداخلية والخارجية على الانخراط في المنظومة الاقتصادية والتجارية في ذلك البلد، فإن أحد أهم معايير الرغبة في الدخول إلى تلك الاسواق أو العزوف عنها هو مؤشر الفساد، فهو يعكس قوة القانون والأنظمة واحترامها، وبالتالي فإن نسبة المخاطرة بالدخول في تلك الأسواق تظل رهن ذلك المؤشر إلى حد كبير.

في دول كالصين والهند اللتين تسعيان في سبيل ضمان المحافظة على صعودهما كقوتين عالميتين، رهنت كل منهما ذلك الصعود بقوة مكافحة الفساد في بلادهما، وتبدي كلتا العاصمتين اليوم رغبة فاعلة وواضحة لتنفيذ تعهداتهما بالقضاء على الفساد، الذي معه تصبح أي خطة تنموية مجرد أرقام وإحصائيات، فتعاظُم الفساد، واستشراؤه أسوأ ما يمكن أن يحدث لأي دولة.

فالفساد المزمن في بعض الدول جعل منه ثقافة، وأمراً مسوغاً يتم إسباغ الأسماء تحت ممارساته، ومع إهمال مكافحته واستمرائه، تبدو المجتمعات وكأنها تقوم بعمل غير مستهجن، من هنا يعاد تعريف الفساد وصياغته من جديد بما يتوافق مع المعطيات المتوافرة، وما بلغته ثقافة ذلك المجتمع في حدود ما يطلق عليه فساد، أو إحدى تسمياته التي شرّعها المجتمع.

إن أكثر الشعوب التي تجد احتراماً من قبل نظيراتها من الشعوب والمجتمعات الأخرى هي تلك التي أوْلت تعزيز النزاهة كقيمة في المجتمع أهمية كبرى، واستطاعت إرساء تلك القيمة كثقافة متداولة، مع دور كبير ورئيسي لأجهزة الدولة في الضرب على يد كل المفسدين، ففي ذلك صدّ عن ارتباك هذا الفعل الذي تتعدى تبعاته الشخص الممارس له، لتشمل المجتمع الذي أسوأ ما يمكن أن يسام به أو يوصف بأنه فاسد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً