اراء و أفكـار

مخيم جنين مجدداً

كان مخيم جنين بالضفة الغربية المحتلة مساء أمس الأول هدفاً لغزوة عسكرية صهيونية جديدة قامت بها قوات النخبة المدعومة بالدبابات والمدرعات.
وكما هو تاريخ المخيم، فالغزوة وجهت بمقاومة شرسة من قبل مجموعة من المقاومين وبما توفر لديها من سلاح محلي الصنع وإرادة صمود، في معركة غير متكافئة إطلاقاً أكد خلالها أبناء المخيم أن العدوان لا يمكن أن يكسر الإرادة، وأن المقاومة هي وحدها طريق التحرير، وأن التمسك بخيار المفاوضات والتنسيق الأمني مع العدو لن يجلب إلا الاستسلام وتصفية القضية وفرض الأمر الواقع الذي يسعى الكيان إلى ترسيخه من خلال المزيد من العربدة والعدوان والتهويد.
كان مخيم جنين تعرض العام 2002 لهجوم بربري استمر عشرة أيام خاض المقاومون خلاله معركة أسطورية استشهد فيها 63 فلسطينياً بينهم 23 مقاوماً من مختلف الفصائل واعترف العدو بمصرع 23 جندياً وعشرات الجرحى، ودمر الاحتلال 455 منزلاً بشكل كامل و800 منزل بشكل جزئي وتم تشريد عشرات العائلات.
هذا المخيم الذي كرر أمس الأول أسطورة الصمود وأفشل أهداف العدوان، وكان قد وصفه وزير الحرب الصهيوني آرييل شارون ب«عاصمة الانتحاريين» و«عش الدبابير»، يمثل نموذجاً للقدرة على المقاومة، وقدم درساً جديداً للسلطة الفلسطينية ولكل دعاة المفاوضات على عقم البحث عن حلول سلمية مع كيان عنصري لا يعرف إلا العدوان.
كذلك، وجه المخيم رسالة إلى كل الفصائل الفلسطينية وخصوصاً إلى حركتي «فتح» و«حماس» بالتخلي عن ممارساتها التقسيمية ومناكفاتها وأطماع الاستئثار بالسلطة وسياسات الإقصاء والعصبية الحزبية والرهانات الخارجية، والعودة إلى الحوار واسترجاع الوحدة الوطنية التي تشكل عصب الصمود، والمبادرة إلى صياغة برنامج نضال وطني يضع كل الإمكانات والقدرات الفلسطينية في الميدان.
إن أي تأخير أو مماطلة في استعادة الوحدة الوطنية يوفر للعدو فرصة تعزيز الانقسام والمضي في مخططاته التوسعية واعتداءاته، ويقدم دليلاً على عدم جدية القيادات الفلسطينية في تحمل مسؤولياتها التاريخية تجاه القضية وشعبها، بل يزيد من الشكوك حول دورها في المساهمة بطمس القضية ووضعها على الرف تساوقاً مع موقف عربي متهافت بات يستجدي حلاً بأي ثمن، وعلى استعداد للمضي حتى آخر الطريق في تقديم التنازلات المجانية.
إن العدوان على مخيم جنين يأتي في ذروة هجمة صهيونية غير مسبوقة على المقدسات في مدينة القدس من أجل استكمال تهويد المدينة، وكذلك في ظل حملة تهويد واسعة للضفة الغربية من خلال مصادرة الأراضي وإقامة عشرات المستوطنات التي يتم زرعها في مختلف المناطق وطرد لعرب النقب من أراضيهم انطلاقاً من مفهوم صهيوني يعتبر الاستيطان هو العمود الفقري للكيان بما يؤمن ديمومته وقوته.

سوف يمر العدوان على مخيم جنين، كما الاعتداءات على كل الأرض الفلسطينية، كما الحصار على قطاع غزة، كما الازدراء «الإسرائيلي» بقرارات الشرعية الدولية والقوانين والمواثيق الدولية، مرور الكرام كما هي العادة، وكما تعودنا من خذلان وهوان ومذلة ولعق للجراح..لأنه مخطط للأمة أن تستنزف آخر قطرة من مناعتها.. و«حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً»، فالشعب الفلسطيني سوف يبقى وحيداً» في الخندق الأخير.
المصدر: صحيقة الخليج الاماراتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً