اراء و أفكـار

مصر وإيران.. القرار المؤجل!!

أسامة عجاج

حسم وزير الخارجية المصري سامح شكري، الجدل المثار في الإعلام المصري، والضغط الذي يمارسه البعض بالإسراع في إقامة علاقات مصرية إيرانية، بعد الاتفاق النووي بين طهران والدول الغربية، عندما قال في تصريحات له أثناء المؤتمر المشترك مع يوسف بن علوي وزير الخارجية العماني: «ليس هناك ما يستدعي تغيير طبيعة العلاقات المصرية الإيرانية في الوقت الحالي، وستبقى على ما هي في مستوى قائم بالأعمال»، لعل هذا التصريح ينهي إحدى المقولات الخاطئة، والتي يتم الترويج لها على مستويات مختلفة، ولفترات طويلة سابقه، بأن الدول الخليجية هي من تعرقل عودة السفراء بين البلدين، وهي أكذوبة كثيراً ما جاءت في العديد من كتابات مثقفين مصريين، وزادت في الآونة الأخيرة بصورة لافتة، وهي نابعة أساسا من تيارات لها عداء تاريخي مع دول الخليج، خاصة السعودية، من قوى اليسار والناصريين، ولم يغيروه رغم موقف بعض دول الخليج الداعم لما جرى في مصر بعد ٣ يوليو ٢٠١٣، والذي كان له الدور الأكبر في تلك التغييرات التي تشهدها مصر منذ ذلك التوقيت.
ولعل الوقائع التاريخية تنفي هذا الأمر كلية، وتشير إلى أن العلاقات لم تشهد خلال أكثر من ٦٠ عاما سوى فترات محدودة اتسمت فيها بالتميز، رغم الاختلاف الواضح في اتجاهات أنظمة الحكم التي تعاقبت على مصر خلال تلك الفترة، سواء في زمن عبدالناصر، أو السادات، أو حقبة مبارك، والتغييرات التي شهدتها مصر طوال السنوات الأربع الأخيرة، وفترات الهدوء، هي المتعلقة بأوائل الخمسينيات في زمن محمد مصدق رئيس الوزراء الأسبق، وصاحب تجربة تأميم النفط الإيراني، والتي لم تستمر كثيراً، وأعقبتها خلافات شديدة بين الشاه وعبدالناصر، الأول وكان جزءا من الاستراتيجية الغربية، وأحد الداعمين لإسرائيل، وعبدالناصر برفعه شعارات القومية العربية وانحيازه إلى الشرق. أما الفترة الثانية بعد حرب أكتوبر في العام ١٩٧٣ في زمن شاه إيران والرئيس الأسبق أنور السادات حيث تميزت الحقبة بعلاقات استراتيجية على مستوى قيادة البلدين، ودعم سياسي واقتصادي من شاه إيران لمصر، خاصة مع تغيير مسار السياسة الخارجية المصرية، من التعويل على التحالف مع الاتحاد السوفيتي إلى الدخول ضمن الاستراتيجية الأميركية، بل إن شاه إيران كان مع زعامات أوروبية وراء تشجيع السادات على زيارته إلى القدس، والدخول في اتفاقيات سلام مع إسرائيل.
وعندما زادت معدلات المعارضة الإيرانية ضد نظام الشاه وسط تخلي حلفائه الأميركيين عنه لم يجد بأي من عواصم العالم من يستقبله سوى القاهرة، أو رئيسا غير صديقه السادات الذي قبل بدفنه في القاهرة بعد وفاته بعد أن ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وسط معارضة قوية من اتجاهات سياسية مختلفة من أقصى اليمين إلى اليسار، على تلك العلاقة التي جمعت بين الرجلين، بل وصل الحال بالسادات أن وافق على التعامل مع مصر على أنها محطة للقوات الأميركية، التي هاجمت إيران، للإفراج عن الرهائن المحتجزين في سفارتها في طهران.
ولم يختلف الأمر في عهد مبارك الذي زاد من دعمه لنظام صدام حسين في حربه ضد إيران، وحرص مبارك على الإبقاء طوال سنوات حكمه التي تجاوزت الـ30 عاما على علاقاته مع طهران في مستوى محدد، لا يسمح لها بالتدهور لدرجة العداء وقطع العلاقات، أو بالنمو والتطور إلى الأحسن، مع بعض الصفقات التجارية والاستثمارات المحدودة، ولم يختلف الأمر بعد ثورة 25 يناير رغم المحاولات المضنية التي بذلتها إيران في تلك الفترة من التعاطي مع 25 يناير على أنها امتداد للثورة الإسلامية، والحرص على جذب النخب المصرية من إعلاميين وصحافيين وكتاب وفنانين ورجال دين وسياسيين، ودعوتهم لزيارة إيران، وكان الأمر مثار دهشة من الميزانيات الضخمة للسفارة الإيرانية في القاهرة، والقدرات المالية الكبيرة لها على توجيه ذلك الكم الضخم من الدعوات. ويذكر أن الزيارة الأولى لوفد الشخصيات العامة، ترافق مع القبض على دبلوماسي في السفارة الإيرانية، واتهامه بالتجسس، وترحيله على نفس الطائرة الإيرانية التي أقلت الوفد.
وقد اختلفت الأوضاع إلى حد ما في ظل تولي الدكتور محمد مرسي الرئاسة، فقد ظل على مسافة من النظام الإيراني، نظرا لاختلاف جوهري بين حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين مع المشروع الطائفي الذي تعمل عليه إيران، ورغم حرص مرسي على زيارة طهران كأول رئيس مصري يفعلها، فكان حضور القمة الإسلامية التي عقدت هناك، ولكن خطابه فيها نال استحسان الجميع، وحاولت إيران التودد إلى مصر من خلال مشاركة الرئيس أحمدي نجاد في قمة القاهرة الإسلامية أيضا، والتي استغلها في محاولة الاقتراب من مشاعر رجل الشارع العادي، من خلال زيارات مساجد أهل البيت، واللقاءات الموسعة التي عقدها، ولكن ذلك لم يجدِ في تغيير مستوى العلاقات على المستوى الرسمي، ولكن المؤشر المهم في ذلك الصدد، هو مقترح مرسي بتكوين لجنة رباعية إقليمية، تضم مصر والسعودية وتركيا وإيران، للعمل على إنهاء الأزمة السورية، وهو ما لم يلق قبولا واسعا، على أساس أن إيران جزء من الأزمة، وليست عاملا في الحل، وظلت العلاقات على حالها في زمن الرئيس الانتقالي المستشار عدلي منصور، أو بعد انتخاب عبدالفتاح السيسي.
وهكذا فإن الوقائع تؤكد أن الإبقاء على مستوى العلاقات على ما هي عليه الآن، هو بالأساس مصلحة مصرية، وبقرار خاص، دون أن يتعلق الأمر بممانعة خليجية كما يروج البعض، دون أن ينفي ذلك أن العلاقات المصرية مع الخليج بصفة عامة، والسعودية بصفة خاصة، قد تكون عاملا من بين عوامل عديدة تمنع من تطوير العلاقات بين القاهرة وطهران، والتحفظ على ذلك يأتي من أجهزة الأمن في مصر، وأحيانا ما تكون هي صاحبة القرار في صياغة علاقات مصر مع بعض دول العالم، خاصة دول الجوار وإسرائيل، في ظل مخاوف من تدفق الإيرانيين على مصر، من وجهة نظر أمنية، وإمكانية تسلل عناصر إرهابية. يضاف إلى ذلك الخوف من التشيع، وهناك تقارير تتحدث عن زيادة نسبة التشيع في مصر، صحيح أنها قد لا تكون مؤثرة وسط ملايين المصريين، ولكن العدد في الزيادة، والقدرة على الحركة والنشاط في الآونة الأخيرة أصبحت لا تخطئها العين.
ومع كل ذلك، هناك تيار يدعو إلى تجاوز تلك الاعتبارات، والبحث عن عودة للعلاقات مع إيران اليوم قبل الغد، يعتمدون في ذلك على محورية دور إيران كقوة إقليمية، كما أن هناك مصالح اقتصادية بين البلدين، يمكن السعي إلى تنميتها، ومنها السياحة الإيرانية، وقد أعدت جهات شيعية في مصر دراسات حول تلك القضية، تحدثوا عن مليارات متوقعة من السياحة الإيرانية، رغم أن تجربة السياحة الدينية لهم في العراق أو سورية لا تحقق مثل تلك المداخيل، بالإضافة إلى إمكانية استيراد البترول، وهناك تصريحات لوزير البترول والثروة المعدنية، المهندس شريف إسماعيل، تحدث فيها أنه ليس هناك مانع من استيراد الخام الإيراني بعد رفع الحظر، والسماح لهم بالتصدير. ويشيرون في ذلك إلى أن كل دول الخليج بلا استثناء لها علاقات مع إيران بدرجات متفاوتة، كما أن هناك حالة من حالات التسابق بين الدول الكبرى على إيران، للفوز بجزء من تورتة الاستثمارات الضخمة فيها وهي بالمليارات.
ومثل هذه الأمور مردود عليها، والأمر يحتاج بالفعل إلى دراسة متأنية من كافة الجهات المعنية في مصر، ودراسة المكاسب والخسائر من تلك الخطوة، وبعدها يتم اتخاذ القرار المؤجل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً