اراء و أفكـار

أربع هجمات وثلاث قارات وارهاب واحد

القدس العربي – من مسجد الامام الصادق في منطقة الصوابر وسط مدينة الكويت، الى فندق «امبريال مرحبا» في مدينة سوسة التونسية، ومن منطقة ليجو جنوبي الصومال الى منطقة سان كانتان فالافييه قرب ليون في فرنسا، تتبعثر خريطة الدم بين ثلاث قارات، لكنها ترسم ملامحا لوجه واحد قبيح اسمه الارهاب.
انه يوم فارق وغير مسبوق، على الرغم من عدم وجود دليل على تنسيق مسبق بين تلك الهجمات الارهابية المتزامنة التي تفصل بينها آلاف الاميال، واوقعت عشرات القتلى والجرحى، وهو ما يثير صدمة مضاعفة وكثيرا من الأسى خاصة انها تصادف رمضان، الشهر الذي يفترض ان يكون شهر الرحمة والتسامح، فاذا به يتحول الى موسم للاعدامات والمجازر البشعة على ايدي اولئك الارهابيين. فقد اعلن الارهاب امس حربا مفتوحة في جبهة لا تعترف بالحدود، مستخدما وسائل قتل متعددة من الهجوم الانتحاري في الكويت والصومال الى السلاح الناري في تونس الى قطع الرأس في فرنسا. ويشير تنوع ضحايا الهجمات امس من المصلين الشيعة في الكويت الى السياح في تونس، الى جنود حفظ السلام في الصومال، الى المدني في فرنسا، الى اننا امام ارهاب طائفي عنصري بطبيعته عابر للقارات ولا يراعي دينا او حرمة او عهدا او ذمة.
بالطبع ليست هذه الهجمات الاولى من نوعها، ولن تكون الاخيرة، الا ان تزامنها وخطورة الرسائل التي توجهها تكفيان لاثارة الرعب، وهكذا رأتها على الأقل دول اوروبية اعلنت على الفور رفع مستوى التأهب الامني خاصة مع اقتراب موسم الاجازات الصيفية، فيما قرر الاتحاد الاوروبي وضع استراتيجية جديدة لمكافحة الارهاب، واعلنت قنوات التلفزيون الالماني تغيير خريطة برامجها على الفور لتبث برامج وافلاما حول الظاهرة.
اما الدول العربية فاما اكتفت بالاستنكار والادانة او التزمت صمتا رهيبا. ولقد اصاب الرئيس التونسي الباجة قائد السبسي عندما قال بصراحة «ان تونس لا تستطيع وحدها ان تحارب الارهاب»، وهو ما يطرح سؤالا بديهيا ان كان حان الوقت ليتبنى العرب استراتيجية موحدة وشاملة لمواجهة هذا السرطان.
ولا يمكن المبالغة في خطورة اي من الهجمات التي وقعت امس. ففي الكويت، تشير مجزرة مسجد الامام الصادق الى ان عناصر تنظيم «الدولة» الذي تبنى الهجوم غير المسبوق، تمكنوا من التسلل للبلاد وربما تشكيل خلاياهم، بعد ان قرروا استهداف التعايش السلمي بين مكونات الشعب الكويتي. وكانت زيارة امير الكويت الشيخ صباح الاحمد لموقع الهجوم بعد ساعات قليلة من وقوعه، رغم الخطر الأمني، تحركا سياسيا حصيفا وشجاعا أراد من خلاله التأكيد على ان الدولة لن تفرق بين مواطنيها من حيث واجبها في حمايتهم.
ويأتي هجوم الكويت امتدادا على خط مستقيم لهجمات استهدفت مساجد للشيعة في المنطقة الشرقية في السعودية منذ اسابيع قليلة، ما يشير الى مخطط اوسع ينفذه التنظيم وقد يمتد الى دول اخرى.
اما في تونس فان العدد الكبير للضحايا في هذه الفاجعة (37 قتيلا حتى كتابة هذه السطور) يشير الى نجاح الارهاب في توجيه ضربة قاضية للموسم السياحي الذي يعتمد عليه الاقتصاد الوطني وسط تفاقم مشاكل الفقر والبطالة. ولا يمكن عزل ما تشهده تونس من هجمات ارهابية عما تعانيه ليبيا من انتشار للفوضى وهيمنة الجماعات الارهابية على مدن ومناطق شاسعة، حتى تحولت الى مصدر تهديد حقيقي للامن الاقليمي بل والدولي ايضا بعد تهديدات تنظيم «الدولة» هناك بارسال الآلاف من اعضائه عبر البحر الى اوروبا.
اما في الصومال فان المجزرة التي اودت بنحو خمسين من عناصر قوات حفظ السلام الافريقية، تطلق صفارة انذار من اتساع حالة الفوضى في ذلك البلد الذي يملك موقعا استراتيجيا، ما قد يهدد الملاحة في البحر الاحمر، ناهيك عن انتقال الاضطرابات الى دول مجاورة.
اما في فرنسا فان قتل انسان بفصل رأسه عن جسده، ثم كتابة كلمات عليها باللغة العربية، ووضع راية اسلامية الى جوارها، عمل لا تكفي كلمات لوصف وحشيته، وان كانت كل الاعمال الارهابية بشعة وشنيعة. لكن هذا الحادث يوجه رسالة الى الغرب بشكل خاص لايمكن ان ان تكون اكثر تشويها لصورة الاسلام واتباعه والعرب ولغتهم.
واخيرا لا يوجد شك في ان المسلمين حول العالم سيدفعون بشكل او بآخر ثمن كل هذه الاعمال الارهابية، والتي يتحتم ان يكون الرد عليها منسقا على المستويين العربي والدولي وفق استراتيجية شاملة تتوازى فيها المسارات الثقافية السياسية والاقتصادية مع الأمنية والعسكرية، بغض النظرعن اي خلافات جانبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً