اراء و أفكـار

جثث الحرس الثوري المتراكمة في حروب الشرق

داود البصري
بين ركام الأحداث وثناياها تدور رحى حروب استنزافية رهيبة تحت ظلال ومسميات وذرائع وأسباب مختلفة, حصيلتها النهائية تتمثل في إدامة حرب استنزاف إقليمية طويلة المدى لتحقيق أهداف جيوسياسية لا تخطئ العين الخبيرة قراءة دلالاتها وأبعادها ومراميها.
فتطور ساحة العمليات الحربية في العراق منذ سقوط الموصل بيد تنظيم الدولة الإسلامية صيف عام 2014, كان قد أسس لمعارك دموية مرعبة بعد انبثاق ما يسمى الحشد الشعبي نتيجة لفتوى الجهاد الكفائي التي استغلها الإيرانيون خير استغلال لتبرير تدخلهم العسكري الفظ والمباشر في الساحة العراقية بدعوى دعم الجيش العراقي لكن الحقائق والأهداف النهائية غير ذلك بالمرة, فقد كان الإيرانيون أسعد الأطراف بانهيار الجيش العراقي وضعفه, بل أنهم عمدوا جاهدين لتكسيحه وإخراجه من المعادلة من خلال التركيز على دعم الميليشيات الطائفية وتدريبها وتسليحها وخلق عصابات طائفية جديدة بأسماء وشعارات طائفية زاعقة تكرس الكراهية والحقد والانتقام في المجتمع العراقي, كما أن فتح أبواب النظام الإيراني أبواب العراق لإرهابيي النظام الإيراني القدماء من أمثال الإرهابي أبو مهدي المهندس قد جعل منهم قادة وزعماء يقودون الجموع الطائفية وينفذون الأجندة الإيرانية بكل حذافيرها, وهي أجندة قديمة ومعروفة بنظرتها الآيديولوجية المتطرفة وبهدفها المركزي في تصدير التخريب والطائفية والفوضى التي تجسدت في كل نقطة وصلها التأثير الإيراني كالعراق وسورية ولبنان واليمن.
الإيرانيون يقومون اليوم بإدارة معارك شرسة ومتنقلة يعتبرونها حاسمة ومصيرية لحماية خطوط الدفاع للتخوم الإيرانية التي طالت مواصلاتها كثيرا وتعقدت أطرها ومستلزماتها التعبوية وباتت تشكل عبئا كبيرا ومباشرا على الجهد العسكري والاقتصادي الإيراني, وقد لوحظ أخيرا ان حجم الخسائر البشرية الإيرانية في معارك الشرق القديم خصوصا في الساحتين العراقية والسورية قد تضخمت كثيرا بحيث أضحت التوابيت الإيرانية المرسلة عبر الحدود العراقية-الإيرانية بالعشرات يوميا معيدة ذكريات الحرب العراقية- الإيرانية الطويلة, ومؤكدة حجم ومساحة التورط الإيراني المباشر في النزاعات الإقليمية والمشكلات الداخلية لبلدان المنطقة.
هذا الوضع الاستنزافي قد ترك مؤثراته الواضحة على الداخل الإيراني وعلى حركة الشعوب غير الفارسية التي بدأت مسيرة انتفاضاتها القومية الهادفة للتخلص من الطغيان ومن نتائج التمييز العنصري والقومي ومن نهب لثروات تلك الشعوب وتصريفها في خدمة تأجيج المشاكل الإقليمية ودعم الفوضى والجماعات الفوضوية فيما يعاني المواطن الإيراني من مشكلات بنيوية وحياتية متراكمة.
لقد انتفض العرب في الأحواز والأكراد في كردستان و البلوش في بلوشستان وبدأ الآذاريون في أذربيجان ثورتهم الشعبية, وهي ثورات لشعوب لن تنتهي إلا بتحقيق الحقوق التاريخية والطبيعية, ومنها حق تقرير المصير? وبما يعني ان المستقبل الإيراني سيشهد تقزما بعد طول انتشار, وانحسارا بعد تمدد وهمي وزائف قائم على أحلام قوة وهمية لبلد ونظام غارق في المشكلات حتى الثمالة.
التوابيت الإيرانية المستمرة بالتدفق هي علامة واضحة من علامات نهاية طريق المغامرات ومجابهة الحقائق والوقائع الصادمة التي ستجعل من عروض القوة الحالية ذكرى من ذكريات الماضي السحيق, فالميليشيات الطائفية العراقية حمولة ثقيلة للغاية تستعملها إيران كسلاح نوعي في الساحة العراقية وتقاتل لتحقيق أهدافها من خلالها, لكنها في النهاية ستنهار وتتلاشى والولاء العراقي غير مضمون بالمرة وهذه الحقيقة يعرفها الإيرانيون لكنهم يحاولون استغلال الموقف لأبعد مدى!
المهم أن طريق الكوارث الإيرانية المعبأ بتوابيت الشباب الإيراني ينبأ بنهاية المغامرة الإيرانية قريبا وأقرب مما يتصور البعض, فموارد إيران لا تسمح بإطالة أمد المعركة أطول مما هو كائن حاليا وجثث الحرس الثوري الإيراني باتت تطرز سماء الهزيمة الإيرانية الكبرى المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً