اراء و أفكـار

السيناريو الأفغاني قد يتكرر في بغداد

داود البصري
بعد نحو العام على نكبة ضياع محافظة الموصل في يونيو 2014, تكرر سيناريو السقوط العسكري المفاجئ! وحدث المحظور من دون علم ولا تخطيط ولا أوامر من القيادتين السياسية والعسكرية, فسقطت الأنبار بطريقة دراماتيكية بعد أيام من القتال والهجمات الانتحارية من عناصر تنظيم الدولة ورغم كثافة القصف الجوي الأميركي وعمليات التعرض العسكرية التي تجري باستمرار في تلك المنطقة الساخنة من الصراع!
سقوط الأنبار أخطر بكثير من سقوط الموصل رغم محاولة الحكومة العراقية امتصاص المفاجأة والتصرف بطريقة هادئة, مع نشر الوعود المكثفة بقرب استعادتها من يد التنظيم الذي يتبع أسلوب الكر والفر والهجمات المتنقلة المفاجئة مع الاستعمال المكثف للانتحاريين الذين يثيرون الرعب ويفتحون الطريق للعناصر المهاجمة التي تمتلك مرونة وخبرة عسكرية ميدانية أثبتت نجاعتها في المواجهات الميدانية.
جاءت هزيمة الأنبار بعد تصاعد الحديث عن قرب التحرك العسكري نحو الموصل لتحريرها! وهو الاحتمال غير الواقعي أبدا في ظل المعطيات الميدانية, وطبيعة موازين القوى, وعجز الجهد العسكري عن تحقيق الدفاع فضلا عن الانتقال للهجوم!
الحالة السياسية والعسكرية في العراق منهكة بالكامل, والحكومة العراقية تعيش عجزا قاتلا في ظل الصراع بين العصابات الطائفية وحملات الشد والجذب بين حلفاء الحكومة العراقية المتناقضين بالكامل!, فالحليف الأميركي لايرتاح أبدا لمناورات وممارسات وألوية حشد الحليف الإيراني الذي اعتمد أسلوب المتطوعة أو “الباسيج” ومن خلال مستشاري الحرس الثوري الإيراني في تعبئة وتدريب وتوجيه قوات الحشد الشعبي الذي أناط قيادتها بعناصره العراقية المخلصة له والعاملة ضمن تنظيماته وخلاياه الإرهابية مثل أبو مهدي المهندس أو هادي العامري, أو علي الياسري أو قيس الخزعلي أو غيرهم من القيادات التي نشأت تحت كنف الرعاية الإيرانية العقائدية المباشرة, وسلسلة المشاحنات الأخيرة بجوانبها الطائفية حول توسع مساحات وجود فرق الحشد الشعبي أمر استفاد منه تنظيم الدولة الإسلامية جيدا من خلال سلسلة عملياته الناجحة, وخطابه التعبوي, واستمالته لقطاع مهم من العراقيين, وعملية استعادة الأنبار ليست بتلك السهولة بالنسبة إلى الحكومة العراقية رغم الوعود الأميركية بالمشاركة الفاعلة, ولكن وفقا لشروط قد تصطدم برغبات وإرادة الحليف الإيراني الذي يريد الاستئثار بالساحة وتجيير كل عمليات التقدم العسكري المفترضة لصالحه وصالح الميليشيات التي يرعاها!
لاريب أن هدف التنظيم النهائي ليس النجف ولا كربلاء كما تزعم الدعايات, بل أن الهدف المركزي هو العاصمة بغداد التي تعيش على هاجس اقتراب العمليات من أحيائها السكنية, وبما يجعل بقاء الحكومة ومجمل العملية السياسية على كف عفريت, فحكومة العبادي كحكومة المالكي عاجزة عن الفعل الصريح بسبب مفاجآت الهزائم الميدانية المتلاحقة والتطورات التي لايمكنها من السيطرة عليها!
دخول عناصر “داعش” بغداد سيكون صورة كاربونية مكررة عن دخول قوات “طالبان” الأفغانية للعاصمة كابول وطردها حكومة رباني والمجاهدين, وتصفية الحساب مع الرئيس السابق نجيب الله! لاشيء أبدا يمنع “داعش ” من تكرار السيناريو الأفغاني بنسخته العراقية الرثة في بغداد, وحجم المذابح سيكون غير مسبوق في تاريخ العراق, وبما سيفعل بالكامل ملف التقسيم الذي يطبخ اليوم على نيران هادئة في واشنطن وطهران أيضا!
قوات الحشد الشعبي رغم عقيدتها الآيديولوجية والمذهبية لايمكنها أبدا أن تحل محل قوات الدولة والجيش الحكومي, ودخول بغداد يعني حرب شوارع وتصفيات طائفية, وتغييراً كاملاً لكل قواعد اللعبة الداخلية, بما قد يدفع بأطراف إقليمية فاعلة للتدخل لصالح هذا الطرف او ذاك لتكون الساحة العراقية مسرحا لعمليات كبرى لتصفية الحساب في كارثة إقليمية لربما تؤدي إلى دخول جديد للقوات الأميركية وحتى الإيرانية لبغداد, تقطيع أوصال البلد بشكل نهائي ومرعب!
ثمة سيناريوهات متوحشة ومرعبة مقبلة ستلبد سماء الشرق التعيس بسبب فشل القوى السياسية المتخلفة في بناء توافقات داخلية تمنع شبح التقسيم والتشظي والحروب الأهلية, وما يحصل في العراق سببه الرئيس فشل النخب السياسية المريضة أصلا والعاجزة عن إدارة نفسها قبل إدارة أزمات البلد المتوارثة والمستعصية… السيناريو الأفغاني تبدو احتمالات تكراره في بغداد أمرا واقعيا بشكل جدي, فكل الاحتمالات المرعبة قائمة ومقبلة… أيام صعبة, ومرحلة قاتمة تحتاج إلى جهود جبارة من أجل تجاوز نتائجها المروعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً