اراء و أفكـار

العراق.. القضاء على «داعش» أم على الدولة؟

عثمان ميرغني
في نهاية يونيو (حزيران) 2014 خرجت مجلة «تايم» الأميركية بغلاف أثار لغطًا واسعًا، جعلت عنوانه الرئيسي «نهاية العراق». الموضوع تحدث عن المخطط القديم – الجديد لتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، شيعية في الجنوب، وسنية في الوسط وتمتد بمحاذاة سوريا، وكردية في الشمال تضم كركوك، لكنه لم يكتف بذلك، بل تحدث عن استقطاع أراض من الدول العربية المحاذية للعراق وضمها إلى هذه الدويلات الثلاث المفترضة. الأمر الآخر أن الموضوع نشر في وقت كان تنظيم داعش المحير يتمدد بدولته الإسلامية المزعومة على نحو سريع مزيلاً العلامات الحدودية، ومحدثًا المزيد من الخلط والإرباك في الخريطة الديموغرافية باستهدافه للأقليات، وبصبه المزيد من الزيت على نيران الطائفية.
اليوم وبعد ما يقترب من العام يثور جدل حول مشروع آخر يرتبط بالحرب على «داعش» وهو قانون لجنة القوات المسلحة في الكونغرس الأميركي لتمويل مساعدات عسكرية مباشرة للسنة والأكراد مع استمرار الدعم للحكومة المركزية، وهو ما اعترض عليه النواب الشيعة في البرلمان العراقي لأنهم لم يريدوا وصول السلاح الأميركي إلى العشائر العربية السنية ولو لمحاربة «داعش». المفارقة أنه حتى بين العشائر السنية في الأنبار كان هناك من أبدى شكوكًا في مشروع التسليح الأميركي. فالعشائر السنية ظلت تشكو لفترة طويلة من أن الحكومة المركزية في بغداد لا تمدها بالسلاح الكافي لمواجهة «داعش»، معتبرة أن وراء ذلك دوافع طائفية، لذلك سارعت للترحيب بمشروع قانون التسليح المقدم من الكونغرس الأميركي. لكن هذا لم يمنع بعض أعيانها، وبسبب شكوكهم في أميركا التي يعتبرونها مسؤولة عما لحق بهم منذ غزوها للعراق، من أن يقرنوا ترحيبهم بمشروع قانون التسليح بإعلان رفضهم لأي هدف آخر مستتر وراء القرار لدعم نزعات تقسيم العراق.
هذا الجدل يتزامن مع ارتفاع بعض الأصوات مجددًا داخل العراق وخارجه داعية لتقسيمه إلى ثلاثة أقاليم أو ثلاث دويلات على أساس أنه مع انهيار الدولة الموحدة فعليًا، وفشل صيغة الحكم والتعايش في عراق ما بعد الغزو، والتأجيج الطائفي والمناطقي، واحتدام الصراع الإقليمي وانعكاساته في العراق، لم يعد هناك من حل للأزمة إلا بقبول التقسيم الذي أصبح أمرًا واقعًا على الأرض في كل الأحوال.
في هذا الإطار وضمن هذا المفهوم فإن «داعش» يلعب دورًا كبيرًا، بالمصادفة أو بالتخطيط. فالتنظيم، مثله مثل «القاعدة»، لعب دورًا كبيرًا في تأجيج الطائفية، وفي استعداء المكونات العراقية المختلفة ضد السنة. فقبل «داعش»، سعى تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» على أيام أبو مصعب الزرقاوي، إلى إشعال فتنة طائفية باستهداف الشيعة والمسيحيين وأقليات أخرى بعمليات التفجير والتهجير. وعندما طغى «داعش» على المشهد بعد صعوده السريع و«المحير» سار على النهج ذاته، ولكن على نطاق أوسع، وبحرب أشرس، وبإعلان «الدولة الإسلامية» المزعومة التي تمددت على نحو غريب، واستولت على مساحات شاسعة من الأراضي الممتدة من سوريا إلى العراق.
دور «داعش» لم يتوقف عند هذا الحد، فالحرب على التنظيم أسهمت بدورها في صب المزيد من الزيت على نيران الحساسيات الطائفية، وأججت الكلام مجددًا عن مخاوف التقسيم. فعندما تصبح الميليشيات «الشعبية» الشيعية، بدعم ومشاركة من الحرس الثوري الإيراني، هي رأس الرمح في العمليات المستمرة منذ أشهر لطرد «داعش» من المناطق التي سيطرت عليها قرب بغداد، فإن ذلك يثير مخاوف السنة ويستعديهم خصوصًا بعد ما جرى تداول قصص عن تجاوزات كبيرة حدثت أثناء هذه العمليات وعن نهب وسلب واعتداء على الناس والممتلكات في المناطق السنية. هكذا أسهم «داعش» في إطلاق يد إيران في العراق لتشارك علنًا مع الميليشيات الشيعية العراقية وبغطاء جوي أميركي في عمليات استعادة السيطرة على المناطق القريبة من بغداد وفي دخول مناطق سنية.
وفي إطار مواجهة «داعش» أيضًا حصلت قوات البيشمركة الكردية على إمدادات من السلاح الغربي وعززت قوتها وحققت السيطرة على كركوك، ومتنت التواصل مع أكراد سوريا بمشاركتها الكبيرة في عمليات استعادة أراض ومدن من مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» المزعومة. ولو تم تنفيذ مشروع تقسيم العراق الذي نادى به كثيرون ومنهم بالطبع ساسة أميركيون، وبالطريقة التي نشرت خرائطها في مجلة «تايم» أو في دوريات ودراسات أخرى، فإن «داعش» يكون أسهم فيه سواء بربط المناطق السنية الممتدة داخل سوريا، أو بربط كردستان العراق بالمناطق الكردية داخل سوريا. وحتى تكتمل الصورة فإن السلاح يوزع أيضًا على العشائر العربية السنية لمحاربة «داعش» مثلما حدث في السابق مع «القاعدة».
الكلام عن مخططات تقسيم العراق ليس جديدًا فقد طرح في أوقات، لكن الأمر اللافت الآن أن «داعش» يلعب دورًا أساسيًا لا في تقسيم هذا البلد فحسب، بل في تشطير سوريا أيضًا، وقد يقوم بهذا الدور لاحقًا في ليبيا ومناطق أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً