اراء و أفكـار

أسطورة الكرسي وخرافة الحاكم

احمد الجنديل
بين الأسطورة والخرافة فارقٌ كبير يعتمد على النفي والإثبات، فالأسطورة نواتها واقع يتضخم ويترهل تارة، وينكمش ليأخذ مسارات عمودية وأفقية تارة أخرى، ومع تراكم الزمن تكون النواة قد اختفت تاركة وراءها الكثير من القصص العجيبة والغريبة التي لا تمت إلى الواقع التي انطلقت منه، بينما الخرافة تنزلق من رحم الخيال، وتتبرعم في حاضنات وهمية لا وجود لها أصلاً، وتترعرع وتنمو من دون أن تقترب من الواقع أو تلامس الحقيقة.
وكرسي الحكم، بإطاره ومضمونه، نواة فرضتها الحياة وخلقها الواقع، وبريقه الذي يخطف القلوب ويجذب العقول لا يحتاج إلى برهان، وقوائمه التي يسعى المغامرون وقراصنة السياسة للتبرك في محرابها لا توجب الدليل.
قبل إطلاق إشارة البدء في سباق الوصول إلى كرسي الحكم، يكون المتسابق حلو اللسان، رقيق الإحساس، مرهف المشاعر، متواضعاً إلى الحد الذي يخجل التواضع منه، تفيض الرومانسية من بين ضفتّيْ لسانه، وتسيل الشفافية جذلى من بين منخريْه، وتسقط دموعه عند مشاهدته اليتيم، ويلطم خديْه عندما يقع نظره على الأرملة.
وعند الفوز بكرسي الحكم، يكون الفائز بكأس العرش قد نسي الرومانسية، وهربت الشفافية خائفة من جبروت السوط الذي تقلده، وغادر التواضع إلى مغارات مجهولة ليحل مكانه الطغيان، وامتدت يده إلى جيب القاصي والداني لتسرق منه كل شيء، وأصبحت صدور الجياع والمحرومين هدفاً لسهامه كلّ صباح.
يشحن السياسي المغامر للجلوس على كرسي الحكم، كلّ خلاياه المتعددة الأقطاب قبل الوصول إلى العرش، فهو المبدئي الأصيل، والوطني الغيور، والخادم للشعب، والمشروع الدائم للتضحية والفداء، وعندما يعتلي العرش ويطمئن إلى الجلوس عليه، يدوس على المبادئ التي كان ينادي بها، ويبيع الوطن وملحقاته في أسواق الخردة الوطنية، ويغرس سهامه في صدر الشعب الذي ضحك عليه، ويبقي لنفسه المشروع الدائم للتضحية والفداء من أجل سرقة أموال الشعب وتنمية رصيده الشخصي، ويتحوّل إلى مارد يتوسل لديه فرعون بمنحه شيئاً من طغيانه، وتموت الأقطاب لديه باستثناء القطب السالب.
لا أعني حاكماً بذاته، ولا زماناً بعينه، ولكنها ظاهرة قبيحة تمددت على الجسد الذي ابتلاه الله بالزفت الأسود.
والكراسي عندما تتحول إلى أساطير، تأخذ معها مَنْ يجلس عليها، تنفخ فيه حدّ الامتلاء، تحيل البومة إلى رخّ، وتقلب العصفور إلى نسر، وتصيّر الأرنب سبُعاَ، فإذا ما وصلت رحمة ربك، وقلبت الكرسي على رأس الجالس عليه، ترجع البومة إلى خفّاش، والعصفور إلى صرصار، والأرنب إلى فأر.
ارجعوا قليلاً إلى الوراء، ستجدون الحقيقة بكامل وضوحها وحضورها.
أرأيتم ما تفعل الكراسي أيها السادة عندما تنقلب إلى أساطير؟!
إلى اللقاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً