اراء و أفكـار

الانتقام لا يبني مجتمعا موحدا

ماجد زيدان*

ترتفع اصوات كثيرة واستغاثات من هذه او تلك من مناطق البلاد للخلاص من التجاوزات والانتهاكات لحقوق الانسان التي تقوم بها بعض المنظمات والقوى، خصوصاً عند تحرير بعض الحواضر او الانسحاب منها.

اولاً ان هذه التجاوزات حقيقة وواقع حال ولا يمكن نفيها وايا كانت التبريرات لا يمكن القبول بها مهما كانت الجهة التي تقترفها.

يظهر مواطنون على قنوات الاعلام يروون ما يحصل لهم، واذا كانت داعش وحلفائها معروفة اعتداءتهم وليست غريبة لانها نابعة من طبيعتهم، ولكن تحرير هذه المناطق لا يجوز وضع الناس كلهم في قفص الاتهام والحلول محل الدولة في المحاسبة، والناس عادة يرضخون للقوى ويتعاملون معه، رغبة وترهيباً.

لذلك على القوى ان تميز بينهم، فليس كلهم حواضن للارهاب والارهابيين/ والحرب الآن كر وفر بين المعسكرين، ولا بد من كسب هؤلاء وتوعيتهم بان لا مصلحة لهم ولا مستقبل عندهم اذا ما تعاونوا مع الدواعش، وان القانون لهم بالمرصاد، واحالتهم على القضاء لسدرهم في غيهم وايغالهم في اضطهاد ابناء مدنهم ، الطريق الامثل والاصوب لكسب الناس وضرب قوة المثل واشاعة روح التسامح بين المواطنين.

ان سيادة الانتقام كعلاقة بين ابناء شعبنا امر في غاية الخطورة ويبقي المواطنين منقسمين فترات طويلة تجعل المصالحة الوطنية ضرباً من الخيال، لان كل فئة تصبح وكل فرد يبحث بنفسه عن اخذ حقه في عودة الى الجاهلية الاولى.

ولا يفسح المجال للدولة العصرية والحضارية ان تمارس دورها في مداواة الجراح.

ليس من الشجاعة والانصاف والعدل ان يقوم المنتصر والمستقوي على الضعيف بتطبيق القانون بيده من دون العودة الى مؤسساته وشرعيته، هذا حكم الغاب، وهو الفرق الاساس بين معسكر الشعب ومعسكر الدواعش والمتطرفين الاخرين المرضى بالعنف والمسكنون بمحاربة كل من ليس هو معهم.

ان الالتفات الى المعاملة الحسنى وفتح صفحة جديدة والتسامح والعفو على من كانت هفواته صغيرة ولم يلحق ضرراً بأحد يشكل ارضية خصبة وبيئة ملائمة لفك الارتباط بين الحواضن الاجتماعية المخدوعة او التي يثرون رعبها بشتى الاقاويل والاشاعات من الذين يبذلون دمائهم من اجل خلاصهم، وبين عموم المواطنين الذين وجدوا انفسهم خلال يوم وليلة خاضعين لوحوش التطرف وتحت رحمتهم.

ومرة اخرى نؤكد ان هذا لا يعفي من الملاحقة القضائية للمجرمين والسادرين في غيهم والذين لم ينتصحوا او ارتكبوا جرائم متعمدة بحق اهلهم واخوتهم من بقية انحاء البلاد، ولم يقدروا التسامي للمقاومين والمحررين لهم.

الحكومة والقوات المسلحة والحشد الشعبي والعشائر في كل مكان هم بحاجة الى بناء الصلات الطبيعية واعادة تأهيل البعض ليكونوا لهم عوناً في المعركة الطويلة ضد الارهاب ولاعادة الاعمار ومسك الارض ومنع عودة العصابات الارهابية مرة اخرى اليها بل قد تنشأ منهم مقاومة جيدة ومساندة للقوات الامنية.

ان الانتقام لا يشفي غليل ولا يضمد جراح بقدر التسامح الذي يضع المقترف او المخطئ في حالة دائمة من التأنيب والشعور الدائم بالذنب والذي يحاول ان يعوضه ويكفر عنه بالعودة الى رشده والى وطنيته السليمة من كل شائبة، وربما يكون في مقدمة المتصدين للارهابيين في المعارك اللاحقة مع الارهاب او اعادة البناء مثلما نلحظ الكثير من الامثلة على تغيير المواقف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً