اراء و أفكـار

حرب الثلاثين سنة

رباح ال جعفر*

هذا العنوان ليس صيغة مبالغة، ولا نوعاً من الإنشاء فعندما يَقول لك وزير الدفاع الأميركي السابق ليون بانيتا: إن الحرب على الإرهاب قد تطول نحو ثلاثين سنة، وإن القادم هو الأشد خطراً وهولاً، وإن طريق الاستقرار ما زال بعيداً.

فإن عليك أن تحزم حقائبك، وتستعجل البحث عن موطئ قدم آمن، وأن تدفع من حياتك، ومستقبلك، تكاليف هذه الحرب.
هل هذا معقول؟ هل هو مقبول؟ صحيح أن نبوءة بانيتا ليست كتاباً مصدّقاً. ولعلها جاءت سكرة من وحي الخيال، وأتمنى أن يكون مبالغاً في القول. لكنني أخشى أن نقع في المحظور، فنخدع أنفسنا إذا جمحنا إلى التفاؤل.
دعك من هذا الصخب والغضب. دعك من شرف التاريخ الذي لا يسلم من الأذى حتى تراق بحور من الدم القاني. دعك من ديوان الحماسة لأبي تمام، وحكاية الخمسين ألف مقاتل نضجت جلودهم قبل نضج التين والعنب. دعك من معارك المصير، والرماح العوالي التي تنطلق كالصواعق، والبيارق التي تهدر كالرعود، والسيوف المسنونة فوق الرقاب.
واضح أننا مقبلون على أشد الأيام قساوة وقتامة. فيها الفتنة يقظى والحلم في سبات عميق. واضح أننا أمام كوابيس تدعو للانقباض والكآبة. لا بد من الاعتراف أن الخيارات أمامنا جميعها انتحارية.
منذ واقعة الموصل ونحن في حالة غليان عاطفي. نترقب وننتظر بكثير من الشوق واللهفة، الكل يريد، والكل يتمنى، وهناك عالم يتفرج، بل يزيد الفتنة اشتعالاً، ونحن نتحدث عن مفاجآت الحسم في بلد الفضائيين، وأن عودة النازحين إلى مدنهم وبيوتهم باتت وشيكة، وأنها ستكون على خيول النصر. بينما نراهم يعيشون دراما من المأساة الإنسانية في ظروف تخلع القلب، ولا أمل يشفي من دمعة حنين لمحب مشتاق في استذكار الأوطان. يلاحقني شعور من الانكسار والاحتقار عندما تتحول المصائر إلى لعبة قمار. شعور بالخيبة حين أنظر في خارطة ممزقة القلب، متآكلة الأطراف، مفككة الملامح. لا أعرف فيها أين أقف؟ وما حدودي بالضبط؟ وفي أيّ مكان أقيم؟ وتحت أية راية أنحني؟ والى أين المسير؟ أعرف أن الولايات المتحدة أكبر منظمة إرهابية في العالم، وأنها القوة الطاغية، والغاشمة، والقاتلة، والعابسة، والفاحشة، التي قامت على سحق ملايين الجماجم.
أعرف أن أمريكا هي الطاعون، والطاعون أمريكا. كما قال محمود درويش في “مديح الظل العالي”. لكننا ونحن ماضون على طريق الهاوية. أشعر هناك حاجة في العودة لقراءة قصيدة الشاعر اليوناني قسطنطين كفافي “في انتظار البرابرة” كلما دار الحديث عن التدخل الأميركي في وطن يرفض أن يتفاوض مع نفسه، أو يتحاور بين أبنائه. بلد ممزق في داخله. مشتت في مشاعره. منقسم على ذاته. يحيّرني في هذه القصيدة سؤال ملحاح لا بد من الوقوف عنده طويلاً:
والآن.. ماذا نفعل بدون برابرة؟ لقد كان هؤلاء نوعاً من حلّ!..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً