اراء و أفكـار

البحث عن الهوية المفقودة

احمد الجنديل*

عندما يَتعالى الضجيج، وتتحرر الألسن من أقفالها، وتخرج النوايا من جحورها لتواجه فيض الشمس، يصعب عليكَ أن تفرز صوت العندليب من صوت الحمار، وأن تميّز بين الرأس الممتلئ بعافية الوطن والآخر الذي يعاني من فقدانه الهوية والمنهج.
وعندما تُفتح الأبواب على مصاريعها، ويكون الدخول الى الحياة السياسية بطريقة مجانية، تكون الغلبة للمغامرين من الصعاليك الذين لم يشرق في نفوسهم وهج الوطن المقدس، وتكون الخسارة لعشاق الأرض الذين منّ الله عليهم بهذا الألق العظيم، فمن لا يعرف الطريق الى الله، لا يعرف الطريق الى الوطن، فكلاهما يصبّان في نهر واحد.
في العراق النزيه من كل شائبة ونائبة، مسموح لكل الأصوات أن ترتفع حتى لو كانت من فصيلة النباح، باستثناء الصوت الوطني الخالص الذي يدخل في قائمة الممنوعات، ولا ممنوع في هذا الوطن الا هذا الصوت، وفي العراق العظيم المعظم الأعظم، لك الحرية فيما تفعل دون أن يحاسبكَ أحد، الا اذا شهرتَ هويتكَ الوطنية، رافضاً كلّ الهويات التي تتقاطع مع الانتماء الى العراق، عندها ستواجه كلّ التهم المخلّة بالشرف والأعراف والتقاليد، وفي وطن التدجين والتلقين، يمنح الحق لكل من هبّ ودبّ أن يتعلم فنون وجنون السياسة في عشرة أيام، شريطة أن يرتدي ربطة عنقه بلون الحذاء، ويرفع أنفه عالياً، ويزمجر في وجوه الفقراء، ويطلق بالونات الكذب، وأن يضع خارطة الوطن تحت قدميه.
يا لكارثة العراق عندما يشنق الوطنيون على حبل الشعارات التافهة، ويسحقون وسط تدافع المتصارعين للحصول على مكسب رخيص، و يا لفجيعة العراقي وهو يتشظى الى ألف لسان، وألف موقف، وألف انتماء، و يا لقبح المشهد وأنت ترى فيه هيمنة كلّ الهويات باستثناء هوية الانتماء الى الوطن. سياسيون يفطرون صباحا على انتماء، ويأخذون قيلولتهم على انتماء، وينامون ليلاً على انتماء، وكل هذه الانتماءات تشير الى الطوائف والأديان والمذاهب والقوميات والمناطق، ولا اشارة واحدة الى العراق.
ودعاة وحدة، ومبشرون بالمستقبل الزاهر، وشيوخ أكلت ألسنتهم رؤوسهم، يصرخون بكل الخطابات، وعندما ترفع ذيل الطاووس عن مؤخراتهم، وتنتف ريش الهدهد من فروة رؤوسهم، ترى أنّ الجميع قد أخذ مساراً لا أثر للعراق فيه، وسلك درباً لم تكن بصمة العراق عليه.
لقد أثبتت التجربة من خلال السنوات العجاف الماضية، أنّ أمضى سلاح لإنقاذ البلد، هو سلاح الانتماء الى العراق، وأنّ أقوى خنجر هو خنجر العراق عندما يسدد نصله الى صدور من نهبوا الثروات، وعاثوا في أرضه فساداً.
ابحثوا عن هوية العراق، ستجدون العراق فاتحاً ذراعيه للجميع، عندها سينشد الجميع له نشيد الانتصار الكبير..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً