اراء و أفكـار

الهتاف للمالكي في اللحظة الضائعة

علي حسين*

لم تبلغ مخيّلة ميكافيللي أو غوبلز ما بلغته هتافات السادة الذين حضروا احتفال “يوم السيادة” من التزلف و “الانبطاح”، “فالهاتفون” امس في قاعة المسرح الوطني ، بحياة المالكي وانجازاته فاتهم أن العراقيين غادروا عصر الزعيم الضرورة.

وتعلموا أن يهتفوا من أجل حريتهم ومستقبل أبنائهم، لا من أجل رئيس مجلس الوزراء.. الآن يحلم العراقيون بسكن نظيف وتعليم متطور.. يريد الناس مسؤولين يمتلكون خبرات طويلة في العمل المؤسساتي، لا في الخطابات والهتافات.. وهم يأملون أن تقوم صورة الدولة الحديثة على فكرة تقاسم السلطات والفصل بينها بحيث تمنع ظهور قائد جديد يتبختر رافعا يده علامة النصر، وقد دفع العراقيون جميعا الثمن غالياً من أجل التغيير والديمقراطية.

بالأمس ارتفع صوت المالكي وارتفع معه الهتاف “بالروح والدم” على الفور، لكنّ الهتافين لا يعلمون لماذا يهتفون أو ماذا، المهم أنهم يهتفون ويهزجون. سيقول المقربون من المالكي: انتم ناكرون للجميل، بحيث بلغت بكم الوقاحة مبلغا جعلكم تنكرون على حكومتنا المجاهدة الانجازات العظيمة التي قدمتها خلال السنوات القصيرة الماضية، ويتهموننا باننا صرفنا جهدنا في تقليب دفاتر السيد المالكي فيما الرجل يقدم في كل يوم إنجازا يجعل من العراق بلدا بمصاف الدول المتقدمة. واننا ننسى ان المجتمع العراقي قبل مجيء معالي رئيس مجلس الوزراء كان غارقا في مستنقعات التخلف والعوز، ننسى أن الرجل تسلم تركة ثقيلة وأن الأوضاع كانت قبله غاية في السوء على نحو يدفع المواطن الى ان تسيل دموعه إشفاقا على هؤلاء المسؤولين المساكين، الذين يحملون أمانة تنوء بحملها الجبال.
وينقل لنا المؤرخ الراحل خيري العمري ان احد الساسة العراقيين كان شديد الإعجاب بنفسه محبا للشهرة التي تدفعه احيانا الى استئجار أناس يكيلون المديح له في المكان الذي يتواجد فيه نكاية بمعارضيه. وتذكر كتب التاريخ ان الإمبراطور نيرون أسس مدرسة خاصة لتعليم فنون التصفيق والهتاف بحياة الامبراطور وفي زمنه أصبحت مهنة “الهتاف” رائجة، وأنه كان يأمر ما يقرب من خمسة آلاف فارس وجندي من أفراد الجيش بحضور الحفلات الموسيقية التي كان يغني فيها وهو يعزف على القيثارة؛ ليصفقوا ويهتفوا له بعد أن ينتهي من الغناء والعزف. في كتابه “مفهوم الحرية” يضع عبد الله العروي اصبعه على الجرح: “أن الهتاف للسياسي يعتبر فصاما حقيقيا في الشخصية العربية، فلا تزال عندنا ازدواجية تكرسها تراكمات سياسية تاريخية ممتدة منذ عصر الاستعمار وحتى تاريخ القهر والأنظمة الشمولية التي تدرب المواطن على أن يتحول إلى قرد يرقص ويصفق ويهتف “. المالكي في ولايتين استطاع ان يعيد سيرة الزعيم الأوحد، وقرر ان يسير عليها.. حتى وصل الأمر الى ان تغلق مناطق بأكملها عندما يقرر السيد رئيس مجلس الوزراء زيارتها.. المقربون من المالكي يهمسون في أذنه: اهتم بصناعة صورتك الى الدرجة التي يُشغل فيها الناس بهذه الصورة عن كل تفاصيل الخراب المحيط بالناس.. ولهذا نجد المالكي مشغولاً بترويج صورته كزعيم يمكن ان ينفرط عقد البلاد لو قرر ان يغادر المنصة، وفي كل مرة يحتاج الى طوفان من الهتافين والمصفقين ليكونوا جزءاً من الصورة التي يريد ان يسوقها للعراقيين، وفي كل مرة تنتهي هذه الصورة الى مزيد من العناد والاستبداد. بالأمس ارتفع صوت المالكي وارتفع معه الهتاف على الفور، لكنّ جوقة الهتافين لا يعلمون ولايريدون ان يعلموا ماذا يجري في الانبار، وأين وصلت أنباء معركة ثار القائد محمد..، وما صحة التقارير التي تنشرها الصحافة الأجنبية من ان الجماعات الإرهابية استولت على العديد من المناطق.. لايهم فهذه مسالة يمكن ان نتجاوزها الان، فنحن منشغلون بالهتاف.. اما لماذا؟ لايهم.. المهم انهم يهتفون عندما تصلهم الأوامر، غير مبالين إن كانوا يهتفون في الوقت الملائم أم في الوقت الضائع؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً