اراء و أفكـار

تسوية تاريخية مع السنة

علي السراي*

نعم هناك مشكلة للطائفة السنية في العراق، ومن الخطر إهمالها، وتركها للعزلة، أو أن يراقبها الشيعة تزداد تطرفاً، لأنها لم تعد تملك الخيار.

صحيح أن هذا فخ من الصعب بحثه سياسياً واجتماعياً، في حالة كالعراق، من دون أن يكون الحوار مشحوناً بالعاطفة وأسيراً “مؤبداً” للتاريخ، لندرة الفرص الهادئة في خلق التفاهمات المتبادلة، لكن الوضع اليوم يصل إلى عقدة سنية لن يتم تجاوزها بالطريقة التي تجري الآن.

2003 كان عاماً خاصاً للشيعة العراقيين، خصوصاً النخبة التي شعرت أنها على وشك أن تعيد كتابة التاريخ السياسي في العراق، كان عاماً مميزاً لهم، وحاسماً أيضاً. وفيه تعلم “البيت الشيعي” أول دروس الثقة بانهم في هرم البناء الجديد لشكل السلطة.

لذا كان من الصعب الحديث عن تنازلات للسنة. قد يبدو هذا، في حينه، مُبرراً. إذ كان من الصعب دعوة الشيعة إلى تجاوز مرحلة التنفيس عن جرحهم التاريخي في العراق. كان الجميع يتحدث عن تفريغ شحنات الغضب، وتعويض سنوات القهر.

حتى المثقفين الشيعة لم تكن لديهم أصوات قلقة على مصير الطائفة السنية، كان الخطاب العام متاح فقط لترك الشيعة يطيبون جراحهم، ولا وقت إلا لاكتساب الثقة.

الثقة الشيعية كانت عنوان البدايات العراقية في مرحلة ما بعد صدام حسين.

لقد تشكلت ملامح النفوذ، وتغيرت سريعاً مصادر القوة في البلاد على أساس تحقيق شروط عدالة “افتراضية”، كان الشيعة بحاجة إليها ليعيدوا التوازن لأنفسهم، والتحرر من لعنة التواجد تحت مظلة قمعية.

يغذي كل هذا شعور عام لدى الشيعة بأنهم مستهدفون على مدى التاريخ. كل النصوص التي انتجها الخطاب الشيعي تعزز هذا الخوف، وتحول ذلك من نطاقه العقائدي، الذي شكل إلى حدٍ ما تراث الطائفة، إلى سلاح سياسي لكسب المزيد من الثقة. ثقة تحولت في ما بعد إلى مجاراة التجارب السياسية السابقة في مسك السلطة.

السياقات التاريخية للصراع حصلت على مغذيات جديدة في الحرب الأهلية في 2006، وتعمق الشعور بأن الخلاف الحقيقي على هوية العراق مرتبط أساساً بغضب محلي وإقليمي من تواجد الشيعة في السلطة.

من الصعب نفي هذا الأمر، لكن أيضاً من الصعب جعله خطاً عاماً ومنهجاً لإدارة الصراع، وتوظيفه لتجربة فتية، تحاصرها ظروف عصيبة وتحولات متسارعة.

اليوم.. الأمر مختلف تماماً. السنة اليوم لديهم ما يكفي للقول إن طائفتهم هي من تشعر بالقلق على وجودها. الرواية السنية عن هذا القلق، على ما تحمله من شحنات عاطفية ومتوترة، وربما مغالاة، لا يمكن تركها تتفاقم إلى مستقبل عنفي قادم.

والحال، أن من يمسك بالسلطة، وقد جاء به الشيعة إليها، عليه اولاً، أن يجعل استحقاقه لموقعه متأتياً من مكاسب تتعلق بتسويات سنية. كانت قاعدة أن الأغلبية السياسية تكون أقلية حين تتسلم السلطة، مفتاحاً لعقد أكبر صفقة ناجحة لشيعة العراق بعد 2003.

القوى الشيعية التي ساهمت في استمرار توغل السنة في هذا الخطاب، والذهاب بعيداً فيه وفي عزلة تحتمل الكثير من المخاطر، عليها أن تدرك أن التعايش “فلم” لا يصلح للعرض، لكن تسويات ذكية للصراع، ستوفر للسنة نهاية مقبولة لطريق اللاعودة الذي هم فيه الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً