اراء و أفكـار

صراع شيعي شيعي في الانبار

علي السراي*

حتى لو كانت لعبةً سياسيّة من رئيس الحكومة، نوري المالكي، فإنَّ اختتام عمليات “ثأر القائد محمد” بتقسيم طرفي النزاع، الجيش و”داعش”، إلى معسكري “الحسين ويزيد”، والعبور إلى لغم ساحة الاعتصام لـ”حرقها”، واعتقال أحمد العلواني، سيكون ببساطة أسوء إعلانٍ لتدشين حملةٍ انتخابيةٍ، منذ عشر سنوات.

ومهما كانت فرضيةُ التضاد بين “الحسين ويزيد”، ملائمةً للتأويل السائد بشأن العقدة التاريخية المهيمنة، واستعادتها لتكون روحاً لسياسات عامة للسلطة، فهي تعزز القناعة بأن “الحاكم” يشعر بـ”ضيق الوقت” لحسم المعركة الانتخابية، وأن الأدوات المتاحة لتحقيق “الانتصار السياسي” شحيحة للغاية، ذلك الانتصار الذي لا يحتاج إلا لعمل محترف، لا إلى مخاطرة ولعب بنار “الاختلاف”.

من يا ترى يستطيع الآن، أن ينقذ الحرب على “داعش”، من التأويل؟

يقول عارفٌ بشأن الأمن في الانبار، إن القوات المسلحة لا تثق بالغالبية الساحقة من ضباط المحافظة، ورجال استخباراتها، لأنهم مخترقون، وأن ما بقي من “مصادر” لا يتعدى عديد الأصابع. هذا العارف خائب الأمل من نتائج عملية “ثأر القائد محمد”، لأن معسكرات الإرهابيين ذابت في الصحراء.

كان من البداهة أنَّ “داعش” لا تتمركز في الرمال، وأن “أشياءً أخرى” تسبق “المعارك” الخاسرة، يمكن لها أن تجعل مكافحة الإرهاب واطئة الكلفة.

المهم، كان هناك الكثير مما يمكن فعله، قبل استهلاك معركة مع ديدان تنتشر في ثقوب غير مرئية.

يقول العارف أيضاً: تَصلُ المعلومات مراراً عن تواجد احد أهم رجال “داعش”، وهو ضابط سابق في الجيش، في مربع كيلومتر واحد من الأرض بالأنبار، وفي أقل من عشر دقائق، يختفي من دون أثر.

أما العلواني، فهو من اختار ان يكون تاجراً في سوق التطرف، وفي أفضل الحالات لن يشكل رافعة سياسية رصينة وبناءة حتى لأهله السنة. لكن اعتقاله، والتوهم بأن حسم عُقدة الاعتصام السني في الانبار سيأتي من هذا الطريق، كان هدفاً يختبئ وراء “حفلة وادي حوران”.

يتحضر المشهد العراقي، في غياب العقلاء وصناع سياسات راشدة، إلى تفجر وشيك، كله برسم التنافس الانتخابي لبرلمان 2014. وقد يكون بديهياً ان المالكي، كما خصومه من جميع الأطراف يربحون من استعادة منطق أن التنافس الطائفي، يحرك اللاعبين في المشهد.

بيدَّ أن مناورة المالكي في الانبار تستهدف خصوماً شيعة، على وجه الخصوص.

يعرف رئيس الوزراء أن عبوره إلى الولاية الثالثة، مرتهن بتخلصه من مزاحمين شيعة، وأن الأولى الآن فض الاشتباك بينهم على من هو الفائز بأصواتهم.

إنها معركة شيعية شيعية في الانبار. والمالكي يريد، عبر تصنيفه المعسكرين بين “الحسين ويزيد”، وإمساك رجل متهم بالتطاول على الشيعة، إظهار نفسه قائداً شيعياً، وأن من يزاحمه في الطائفة لا يقوى على نصرة أبنائها.

المنتظر أن المالكي لا يملك وقتاً للحيرة بأمر الانبار، حتى لو اشتعلت بنارها في الأيام المقبلة، أقل ما يمكن أن يفعله تأجيل الانتخابات فيها، ومواصلة استثمار رد فعل أهلها على ما جرى في الدعاية الانتخابية، بوصفه رد فعل طائفي، متطرف، يشجع على العنف.

لكن المالكي سيراقب ما تصور أنه أهم الأرباح: صناعة حرب، من دون حرب، وانهاء قلق شيعي قادم من ساحة الاعتصام، بإعادة انتاج القلق ذاته، ليفوز في حرب أخرى، تجري في مكان آخر، وداخل طائفة ينتمي إليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً