اراء و أفكـار

تكريت والسيناريو ذاته

عبد الخالق كيطان*

إليكم نص الخبر الذي بثته وكالات الأنباء أمس: اعلنت القوات الامنية العراقية عن قتل المسلحين الذين اقتحموا مبنى المجلس البلدي في تكريت، وتحرير المحتجزين فيه. وذكرت مصادر امنية حكومية ان “جهاز مكافحة الارهاب تمكن من تحرير المحتجزين داخل مبنى المجلس البلدي في تكريت وقتل الارهابيين داخله”.

ومن جهتها اكدت مصادر امنية محلية ان العملية انتهت بتفجير الانتحاريين انفسهم داخل المبنى ملحقين عددا من الاصابات بين الرهائن. وكان مسلحون يرتدون الزي العسكري، اقتحموا مبنى المجلس البلدي وسط تكريت، بعد ان فجروا سيارة مفخخة عند مدخله. وسيطروا على مبنى المجلس، واحتجزوا جميع موظفيه رهائن. انتهى الخبر.

بالنسبة لي فإن هذا الخبر صادم ومؤلم. وبالنسبة لغيري، كأن يكون العميد سعد معن الناطق باسم وزارة الداخلية، فإنه خبر عادي، ولا يثير أي اهتمام. فالرجل، ومثله القائد العام للقوات المسلحة، الذي هو نفسه وزير الدفاع ووزير الداخلية، والذي هو نفسه قائد قوات التدخل السريع “سوات” وهو نفسه المسؤول مسؤولية مباشرة عن أجهزة المخابرات والأمن. ومثل العميد سعد معن هناك السيد عدنان الأسدي وكيل وزارة الداخلية، والسيد محمد العسكري الناطق باسم وزارة الدفاع، وأيضاً السيد سعدون الدليمي وزير الوزارتين. كما أن مثل السيد معن هناك السيدات والسادة حنان الفتلاوي، وشقيقها صباح، وعالية نصيف وزميلها أحمد الجبوري، وقاسم عطا وفالح الفياض وعبود قنبر وعلي غيدان…. كل هؤلاء، وحتى لا نظلم السيد معن، فإنهم يشاطرونه في النظر لما حدث في تكريت على أنه أمر عادي، بل وعادي جداً. ولكن، من المؤسف أنني أختلف معهم بشكل جذري، وآمل أن أجد غيري وقد شعر بما شعرت به من مرارة ومهانة وذلّ وأنا أتابع أخبار عملية تكريت.

هل يمكنني أن أصدق بمهنية وشجاعة قواتنا المسلحة وأنا أقرأ عن قدرة ثلاث ملثمين، من سقط المتاع، وهم يقومون بالسيطرة على بناية مديرية الاستخبارات وسط مدينة كركوك؟ ثم يتكرر الأمر نفسه في تكريت، بل أن صلاح الدين وحدها شهدت عدة عمليات من هذا النوع، كلها مرت مرور الكرام بالنسبة للسيدات والسادة الذين ذكرناهم، والذين هم يشبهون موقف السيد سعد معن، ذلك الموقف الذي لا يجد في الأمر أكثر من حدث طبيعي، وان الأمور مستتبة، والوضع الأمني طبيعي، وأن الحياة ماشية، وأن احقاد العملاء والمتربصين فقط هي التي تصور الأمر على غير ما هو عليه!

اقرأوا معي: مصادر أمنية تقول أن الاشتباكات حول محيط مديرية استخبارات كركوك، والتي أعقبت عملية الاقتحام التي شارك فيها، بحسب داعش، ستة عناصر فقط، استمرت من منتصف النهار حتى منتصف الليل وأسفرت عن مقتل ثمانية وإصابة العشرات!

يا إلهي.. كيف لا أشعر بالخجل وأنا أقرأ ذلك؟

ثم يتكرر الأمر في الأسبوع ذاته، ووفق السيناريو ذاته، وفي محافظة ثانية، ولا أحد من قياداتنا الأمنية أو السياسية يخرج إلى الناس ليلطم على خدوده لهول ما جرى. ألهذه الدرجة صارت دماؤنا رخصية؟ ألهذه الدرجة صار الاستخفاف بنا اعتيادياً بالنسبة للفريقين (جماعتنا وجماعتهم، فيما لو افترضنا أنهم فعلاً فريقان!)؟ ألهذه الدرجة تعمي نعم الكرسي والمنصب أصحابها عن رؤية الثكالى واليتامى؟ ألهذه الدرجة يتحول القادة عندنا إلى وكلاء وشهود للجريمة والزور والكذب والخديعة؟ إلهذه الدرجة يوغل هؤلاء بتجاهل صراخنا، وتحذيراتنا، وآلامنا، وشكاوانا، وابتهالاتنا، فلا يحركون ساكناً أزاء مقاتلنا اليومية؟ ألهذه الدرجة لا يشعر هؤلاء بالخجل عندما يستطيع ثلاثة مكاميع من عناصر داعش أن يهزموا جيشاً قوامه مليون وربع المليون مقاتل؟ ألهذه الدرجة، من الاستخفاف بالعقول، ومن غياب الحياء، فلا نقرأ لهؤلاء غير كلمات عن قدرتهم على هزيمة الإرهاب؟

ليعذرني، قارئي العزيز، الذي خذلته اليوم وأنا أتحدث بغضب. الغضب يعتصرني بالفعل. فقتلانا لا بواكي لهم، على ما يبدو. كل ما هنالك أن لدينا قادة أشاوس وضعونا في الفرن، وأحكموا إغلاق الأبواب علينا..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً