اراء و أفكـار

ماكرون … «المرغوب من أطراف عدة»

محمد برهومة

يؤكد تفاعل الفرنسيين المختلف مع عيدهم الوطني هذا العام، وبحضور قوي للرئيس إيمانويل ماكرون، وحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب كضيف شرف، مدى اهتمام الرئيس الفرنسي الشاب بالرموز من جهة، وإظهار أنه ليس مجرد رئيس تقني يملأ كرسي الرئاسة، وإنما صاحب رؤية، من جهة أخرى. وقد اتضحت هاتان الصفتان بجلاء في تعاطي ماكرون مع بوتين ومركل وترامب ومع الداخل الفرنسي.

الإعلاء من «الرمزية» ظهر في خطاب ماكرون قبل أيام أمام البرلمان الفرنسي، وفِي خطابه الأخير بمناسبة العيد الوطني.

وليست محاولة الرئيس الفرنسي الشاب إعادة الهيبة لمؤسسة الرئاسة في بلاده بعد التراجع الذي أصابها في السنوات الأخيرة إلا دعماً لرؤية جديدة يدشنها عهده، بدأت بالتعامل الجديد مع الإعلام الفرنسي، ومع الصورة، وفلترة التصريحات، وصولاً إلى القطع مع صورة «الرئيس العادي»، التي كان الرئيس السابق فرانسوا هولاند يؤكد أنه يريدها لنفسه.

وماكرون يريد القطع أيضاً مع فترتي ساركوزي وهولاند، حيث السياسة الخارجية الفرنسية مجرد انعكاس، في الغالب، للأولويات والاعتبارات الأميركية والأطلسية.

وفي الواقع، مما قد يساعد ماكرون في مساعيه أن تكون له «بصمة» مميزة في الداخل الفرنسي، وعلى المستويين الأوروبي والدولي، أنه «مرغوب من أطراف عدة». فالمستشارة الألمانية تراهن على فرنسا -ماكرون لترسيخ محور ألماني- فرنسي يوقف تعثر مسيرة الاتحاد الأوروبي، ويقدم مبادرات تاريخية للشراكة، مثلما ظهر أخيراً في مشروع تصنيع المقاتلة الأوروبية المشتركة، ما من شأنه تعزيز المصالح الأوروبية في وجه ضغوط إدارة ترامب، لا سيما في ظل أن برلين لم تعد تثق بقدر كبير بأميركا- ترامب. وتحاول فرنسا- ماكرون تفهم ذلك، لكن رؤية الرئيس الشاب تتجلى في أنه لن يعمل ضد مركل، ولن يتوقف في الآن ذاته عن محاولة إحداث «اختراق» ما عبر إبقاء اليد الأوروبية ممدودة لترامب، الذي يفضّل ماكرون على مركل. وحاجة الأخيرة لماكرون تتأكد في ظل الهواجس من أنّ تقرّب ترامب من ماكرون إنما يتساوق مع رغبة الأول في إضعاف الاتحاد الأوروبي، وإضعاف أوراق القوة لدى ألمانيا كقوة صناعية وتكنولوجية تزداد تقدماً ومنافسة.

ماكرون هو «حاجة روسية» كذلك، لا سيما بعد التحولات التي أجراها على موقف بلاده من الملف السوري وتصريحاته بأنه «لن يجعل من رحيل الأسد شرطاً مسبقاً»، وأن الأخير قد يكون «عدواً للشعب السوري لكنه ليس كذلك بالنسبة الى فرنسا».

والحقيقة أن ثمة رغبة لدى بوتين في التواصل مع بلدٍ أوروبيّ مهمٍ مثل فرنسا في ظل إحباط الكرملين من برلين.

وفي الأزمة الخليجية المستمرة مع قطر، وجدنا رؤية ماكرون تتجه لاشتقاق صيغة جديدة للتعاطي الفرنسي مع منطقة الخليج باتجاه إحداث «التوازن» بين اندفاع ساركوزي نحو قطر، واقتراب هولاند أكثر من الرياض وأبو ظبي.

ماكرون «المرغوب من أطراف عدة» والذي يشكّل «حاجة سياسية» لها، حريص على توثيق مسارات التلاقي مع هؤلاء على اختلافهم، لعل ذلك يكون قنطرةً لتخليق دور جديد لفرنسا… وصورة جديدة لرئيسها الشاب!

نقلا عن “الحياة اللندنية”

مقالات ذات صلة