اراء و أفكـار

هجوم مانشستر: وجوه الإرهاب وأقنعته

رأي القدس

ضرب هجوم انتحاريّ مانشستر، المدينة البريطانية الأكبر بعد لندن، واختار المهاجم حفلاً موسيقياّ حاشداً لمغنّية أمريكية مفجّراً نفسه في جمع كبير من الناس ليقتل 22 شخصاً بينهم فتاة في الثامنة من العمر ويصيب 59 شخصاً بجراح. سارع تنظيم «الدولة الإسلامية» بتبنّي الاعتداء فيما قامت سلطات المدينة باعتقال شاب وبدأت بسرعة إجراءات تحقيق في إمكانية وجود شبكة تدعمه.
الهجوم كان قد سبقه حادث اعتداء في شهر آذار/مارس الماضي باستخدام سيّارة قرب البرلمان البريطاني قتل خمسة أشخاص (إضافة إلى المهاجم) وجرح قرابة 50 وقد قامت الشرطة بعدها باعتقال سبعة أشخاص. المهاجم ذو سوابق جنائية ومن مواليد مدينة برمنغهام.
الحوادث السابقة من هذا النوع تتضمن قتل جندي بريطاني عام 2013 في مدينة ووليتش على يد مايكل اديبولاجو ومايكل اديباوال، اللذين حكما بالسجن المؤبد، وهجوم عام 2005 في وسط لندن والذي أدّى لمقتل 56 شخصاً وجرح 700 آخرين.
كانت الهجمات الإرهابية في بريطانيا، ومنذ سبعينيات القرن الماضي، من اختصاص «جيش التحرير الأيرلندي» ونظيره Real IRA، وهي أكثر من أن تحصى (27 هجوماً في عقد التسعينيات وحده) ولم تبدأ هذه الهجمات بالانحسار فعليّاً إلى أن بدأت اتفاقية السلام في شمال أيرلندا التي وقعت عام 1994 تترسّخ وتحوّل جيش التحرير الأيرلندي إثرها إلى منظمة سياسية تشارك في الانتخابات وترشح نوّابا وتشارك عمليّاً في السلطة.
تحيل هذه المقاربة التاريخية إلى نتيجة واضحة وبسيطة وهي أنه لا يمكن اعتبار الإرهاب قضيّة أمنيّة فحسب، فتصاعده وهبوطه مرتبطان بأزمات سياسية ملتهبة، وإذا كان المطلوب من الجهات الأمنية منع هذه الهجمات قبل وقوعها وتتبّع منفّذيها وتصفية شبكاتهم، فإن المطلوب من الجهات الأخرى تتبّع جذور الأزمات ومحاولة إيجاد حلول وتسويات للقضايا المشتعلة لأن الحلول الأمنيّة وحدها غير قادرة على منع كل الهجمات.
في كلا الحالتين: الأزمة الأيرلندية، وأزمات «الشرق الأوسط»، تداخل الخارجيّ مع الداخليّ، فالأيرلنديون كانوا، من جهة، جزءا من النسيج الاجتماعي البريطاني، في الوقت الذي كان ممثلوهم السياسيون والعسكريون يخوضون حرباً ضد سيطرة بريطانيا على جزيرتهم ولتحقيق استقلال أيرلندا، وهذا يتناظر مع كون أغلب الهجمات الحديثة نفّذها مسلمون من مواليد بريطانيا، وبعضهم كان مسيحيّا أسلم (كما أدريان راسل الذي أصبح خالد مسعود)، وبالتالي فإنهم جزء من النسيج الاجتماعي البريطاني وإشكالياته، وتحوّلهم إلى «جهاديين» تمّ على خلفيّات كثيرة بينها التهميش والفقر والعنصرية التي تواجههم كأقليّات وما إلى ذلك من مواضعات بريطانية داخلية جعلتهم قابلين للتأثر ببروباغاندا تنظيمات كـ«الدولة الإسلامية» و«القاعدة».
تضافرت في حالة الإرهاب الناشئ في أوساط المواطنين البريطانيين من أصول إسلامية اشتغال غربي على «تجذير» الإسلام Radicalisation of Islam أي دفع المسلمين دفعاً للتطرّف وذلك بتجنيد الإعلام المعادي للسود والأجانب والأقليات والمسلمين عموماً، من جهة، وبالتدخّل العسكريّ العنيف في العراق، من جهة أخرى، والذي أدّى إلى اختلال التوازنات التاريخية العميقة واستباحة إيران للمنطقة العربية، الذي تلاقى مع الجرح الفلسطيني الدامي الذي تمثّله إسرائيل والذي كان فاتحة الموجة الأولى من التصدّعات البنيوية العميقة والمؤسس الكبير لدول الاستبداد العميقة.
الخلاصة الطبيعية لكل هذا هو أن صعود غول الإرهاب الإسلامويّ كان نتيجة اجتماع آليات التوحّش الغربيّة مع تعفّن أنظمة الاستبداد وتهاويها الطويل، وانضاف إلى ذلك انقفال باب الخلاص الأرضيّ مع الردّة المضادّة الشاملة إثر اندلاع الربيع العربي فتوجّهت جموع الشباب إلى عقيدة الخلاص بالموت المعمّم.
وجوه الإرهاب وجذوره متشابهة ولكن أقنعته كثيرة.

نقلا عن “القدس العربي”

مقالات ذات صلة