اراء و أفكـار

الإرهاب أصله فكري

ليس الإرهاب عملاً خارجاً على المألوف البشري والأخلاقي والديني والإنساني فقط، كمثل القتل والذبح والسبي والحرق وهتك الأعراض والتمثيل بالجثث وتدمير دور العبادة..، كما هي حال المنظمات الإرهابية، مثل: «داعش» و«جبهة النصرة» و»الحشد الشعبي»، وغيرهم من ممتهني القتل بإسم الدين.
كل هذه الأشكال من الإرهاب أساسها فكري يقوم على رفض الآخر، وعدم الاعتراف بوجوده وبحقه في الحياة؛ لأنه مختلف في العقيدة والإيمان. وبهذا المعنى فإنه لا مكان لحق الاختلاف في الرأي؛ لأن هذا الاختلاف يعني الكفر، والكفر عاقبته الموت بأي شكل كان.
عندما ينتقل مفهوم الإرهاب من الحيز الفكري إلى الحيز العملي يتم استنفار كل شوائب الموروث التاريخي الإسلامي، وتحويله إلى واقع عملي بحق الإنسان الآخر أكان مسلماً أو غير مسلم، وبحق كل من يمت للإنسانية والحضارة طالما هو لا يتماثل مع المفهوم الفكري الإرهابي الموروث.
إن ظواهر الانقسام السياسي والاجتماعي، التي عاشها المسلمون قبل أكثر من ألف وأربعمئة سنة، وما بعد ذلك وتجلت في انقسامات وفتن دموية حادة ما زالت مع الأسف قائمة، ويجري العمل على استعادتها وتأجيجها لأهداف سياسية بحتة تخدم هذا الطرف أو ذاك، ليست حالة شاذة؛ بل ولدت في كنف أفكار موجودة ومتداولة في متون الكتب التي يجري تداولها بين عامة الناس، ويتم تدريسها في المدارس الدينية والجامعات، وتقدم فيها الأبحاث ويتم تناولها على المنابر وفي القنوات التلفزيونية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بين عامة الناس الذين يتنابذون ويشتمون ويكيلون السباب لبعضهم على قاعدة الاختلاف في المعتقد أو الاجتهاد.
إذاً، نحن أمام حالة من الإرهاب الفكري في الأساس، الذي تتم ترجمته إرهاباً فعلياً على الأرض، ويكون الإنسان وحده هو الضحية.
هناك من يدعي امتلاك الحقيقة والعصمة، ويُنصّب نفسه دياناً يحكم على العباد كما يشاء. يقسم العالم إلى فسطاطين، فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر وهو وحده يحدد المآل والمصير.
هذا الفكر مأخوذ من بعض كتب التراث الإسلامي، التي يتم تداولها وطباعتها وتدريسها، ولم يتجرأ أحد بعد على أن يعيد غربلة مضمونها بما يتوافق مع حقيقة الدين الإسلامي والسنة النبوية الشريفة، التي تزخر بمعاني التسامح والمحبة والحرية واحترام الآخر وتقدير الإنسان كإنسان مهما كان دينه ومعتقده.
قد يتحقق الانتصار على «داعش» وغيرها في الميدان، وينتهي وجودها كقوة عسكرية، لكن فكرها سوف يبقى قائماً ومسلطاً على رقاب العباد طالما لم نتمكن من هزيمتها فكرياً، وهذا أمر منوط بكل المسلمين ومرجعياتهم الدينية والفقهية.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة