الاندبندنت

بعد ذهاب داعش , سيستمر العراق في كونه البلد الاكثر فسادا

بالرغم من هنالك حديثا يجري حول اصلاح لهذا النظام , الا انه من الخطر سياسيا القيام بذالك لا ن شبكات الفساد والمحسوبية قد وطدت نفسها منذ فترة طويلة واشركت العديد من الاشخاص والاحزاب القوية .
-الفساد لايمكن استئصاله في العراق ولكن يمكن جعله اقل دمارا .
يختلف العراقيين حول امور كثيرة ولكنهم يتحدون حول موضوع واحد : انهم يعتقدون باتهم يعيشون في بلد الاكثر فسادا في العالم بأستثناء عدد قليل حيث لايوجد شئ كثير لسرقته . انهم يرون انفسهم ضحية لدولة مارقة مصابة بهوس السرقة حيث اختفت فيها مئات المليارات من الدولارات التي ذهبت الى جيوب النخبة الحاكمة خلال ال 15 سنة الماضية بينما يعاني كل فرد من الشعب العراقي من نقص في كل شئ ابتداء من العمل الى المياه والكهرباء .
ان الغضب الشعبي ضد الطبقة السياسية التي جاءت الى السلطة في عام 2003 يوضح السبب وراء تصدر الحركة الشعبية الوطنية, التي يقودها مقتدى الصدر والتي تطالب بالاصلاح السياسي والاجتماعي والتي تحالفت مع الحزب الشيوعي العراقي الانتخابات البرلمانية في مايس . لكن نسبة الاقبال المنخفضة التي بلغت 44.5 % اكدت وجود قناعة لدى الكثير بانه لن يتغير شئ كثيرا مهما كان تشكيل الحكومة القادمة – وهو شئ ما زال يتم تصحيحه معا في مفاوضات الحلزون البطيئة جدا بين الاطراف . اخبرني مواطن بغدادي بقوله ” حتى ان اصدقائي الذين ادلو بصوتهم في الانتخابات قد اصيبو بخيبة الامل ويقولون انهم لن ينتخبو مرة ثانية” .
من المستحيل ان نبالغ في الاحباط الذي اصاب العراقيين فهم يعلمون جيدا انهم يعيشون في بلد غني ذو امكانيات عالية وهو ثاني اكبر منتج للنفط في منظمة اوبك (OBEC) ولكنهم يرون ان ثروتهم تسرق امام اعينهم سنة بعد سنة .
كنت في مدينة الرمادي , عاصمة محافظة الانبار غرب بغدادانظر الى الدمار الذي سببته الحرب عندما التقيت السيد مظفر عبد الغفور البالغ من العمر 64 عاما وهو مهندس متقاعد كان قد عاد توا من اعادة بناء داره الذي كان قد دمر اثر غارة جوية حيث قال لي : لقد قمت بذالك بنفسي دون تعويض من الحكومة واضاف قائلا بمرارة ان بعض البيوت التي لم يلحق بها ضرر كبيراستلمو تعويضات لانهم قدمو رشوة الى مسؤوليين بخلافي حيث لم اعمل مثلهم وصرخ في وجهي ” العراق ليس فيه حكومة , العراق فيه فقط لصوص ” .
وفي العودة الى بغداد , قمت بزيارة منطقة المنصور واليرموك التي يسكنها طبقة عليا ومتوسطة وكان الحديث عن تجارة العقار حيث قال السيد صفوت عبد الرزاق بانه يقوم بادارة اعمال جيدة . ان سعر الاملاك تضاعف الى الضعف خلال السنتين الماضيتين ولكنه اقل تفائلا عن المستقبل بسبب الحكومة الضعيفة وقبل كل شئ حالة الفساد المنتشرة . واردف قائلا لاتوجد مصداقية بالحكومة , اينما تذهب فانهم يطلبون رشوة” .
واضاف ان المقاول عليه ان يدفع رشوه لكي يحصل على عقود وقال احد ثلاثة رجال اعمال جالسين في المكتب ان ذالك يمكن ان يتم بسهولة مقابل 50% من قيمة العقد . يجد الكثير من المال الخاص في العراق الا انه لم استثمر الا القليل منه بسبب الفساد الذي يجعل نشاط الاعمال غير مضمون وغير أمن واضااف قائلا ” لهذا السبب اشتريت عقارا في الاردن وليس في العراق ” .
وقال شخص شبه عسكري ” من بين هؤلاء افراد ميسوريين ولكني سمعت شكاوي مماثلة من الطبقة الشيعية العاملة المتمركزة في مدينة الصدر حيث تتراكم فيها النفايات على الطرق والازقة بشكل غير مسيطر عليه . الشباب هم جيل ضائع حيث ان العديد منهم لايستطيع التقدم للزواج لانه ليس لديهم عمل ولا مستقبل في الافق مالم يكن هنالك شخص ما يعرفونه في الحكومة , هتالك نقص في تجهيز الماء والكهرباء و انه غالي عند الشراء بشكل خاص ” .
هنالك امثلة متفرقة تتعلق بالسرقة الرسمية التي اصبحت شائعة منذ تولي الطبقة الجديدة من القادة الشيعة والكرد السلطة على الاغلب في العراق بعد الغزو الامريكي . وعندما كانت الحكومة العراقية تحارب افتراضا من اجل حياتها عسكريا في 2004-2005 هنالك مبالغ تقدر ماقيمته 1.3 مليار دولار (980 مليار باون ) من ميزانية المشتريات العسكرية قد اختفت . وبعد مضي سنوات قليلة حاولت الشرطة في نقاط التفتيش ان تكشف عن سيارة مفخخة باجهزة غير نافعة التي كلفت الحكومة في الحقيقة دولارات قليلة ولكنها اشترتها باثمان باهضة ماقيمته عشرات الالاف من الدولارات .
كيف استطاعت الحكومات المتعاقبة ان تهرب من هذه السرقات السافرة لفترة طويلة ؟ لقد استطاعت لسنوات طويلة ان تحول الانتباه بعيدا عن سرقاتها لموارد النفط العراقي بالادعاء بانها تحارب القاعدة في العراق من ثم كان داعش الشئ الوحيد الذي يعنيها . لقد لجأت الى التكاتف والتضامن الطائفي الشيعي وفي شمال العراق لجات الى التضامن العرقي للاكراد .
ولكن بعد سنة من هزيمة داعش حينما الحقت به هزيمة ساحقة اثر الحصار على الموصل , فأن هذه الحجج والمبررات لم تعد تجدي نفعا . اصبح الامن افضل من اي وقت كان منذ سقوط صدام حسين واصبح العراقيين اكثر وعيا من اي وقت كان امام الفشل للقيادات الطفيلية والة الدولة الشبه عاملة .
هنا ترد كلمة الحذر , : يفكر العراقيين بان بلدهم اصابته لعنة الفساد بمليارات الدولارات التي دفعت الى شركة شيل SHELLلمشاريع لم تنفذ منها طابوقة على ارض الواقع . والعراق ليس البلد الوحيد في هذه الطامة حيث هنالك العديد من الدول تم سرقة ثروتهم من خلال استغلال الثروات الطبيعية كالنفط . وفي كل حالة , افراد النخبة الحاكمة المفترسة – من اتغولا الى العربية السعودية والعراق – ينهبون من موارد الدولة باكثر مايستطيعون ان يحصلو عليه من مخالبهم فيها .
الانفاق المفرط الفاحش من قبل هذه الدوائر السياسية لاينتهي ولكنها ليست الجهة الوحيدة المستفادة حيث جميع هذه الدول الغنية بالموارد لديها انظمة رعاية حيث تحصل شريحة كبيرة من السكان على وظائف او يستلمون رواتب بدون عمل مقابل ضروري .
ربما يشجب العراقيين والسعوديين الفساد في القمة ولكن الملايين منهم لديه حصة فى النظام والذي يساعد على استقرار معين . في العراق مثلا يعمل 4.5 مليون عراقي للدولة وهي وظائف محترمة التي يرغب الاخرون في الحصول عليها . ومع ان القادة السياسيين في بغداد يتحدثون عن الاصلاح الا ان عمل ذالك امر خطير سياسيا لان شبكة الفساد والمحسوبية قد وطدت نفسها منذ فترة طويلة ويشترك فيها العديد من الافراد والاحزاب القوية .
ان الحملات ضد الفساد في العراق وكما في السعودية هي غالبا عبارة عن مجموعة واحدة غنية جدا تحاول ان تحل محل الاخرى. ان نظام المحسوبية هي الطريقة الوحيدة التي يحصل العراقيين والسعوديين من خلالها على حصة من موارد النفط وانهم يرفضو حرمانهم من ذالك في هذه الفائدة المفترضة من خلق نظام تشغيلي اكثر .
ان الية الفساد في العراق تعمل بطريقة مختلفة قليلا عن اي مكان اخر بسبب دور الاحزاب السياسية . وقد اخبرني السيد مظهر صالح المستشار المالي لرئيس الوزراء حيدر العبادي بانه” مالم يتغير النظام السياسي فانه من المستحيل محاربة الفساد ” واضاف ان السبب في ذالك هو ان الاحزاب تستخدم وزارات الحكومة التي يهيمنون عليها كبقرة حلوب للمال واتباع المحسوبية والتي من خلالها يديمون سلطتهم . ان تلك الطريقة ربما غير متاصلة ومتجذرة كثيرا ومن مصلحة العديد من الافراد ان تتغير بصورة جذرية .
لايمكن ازالة الفساد في العراق ولكن يمكن جعله اقل دمارا . وعندما تولى العبادي السلطة في عام 2014 كان داعش يتقدم نحو بغداد واسعار النفط منخفضة . وقال صالح : و لمواجهة الازمة خفضت الحكومة الانفاق بنسبة 37% وازالة العناصر المريبة – المال كان يصرف هباء بدون فائدة “. الفساد سيبقى ولكن يمكن للعراقيين في المستقيبل ان يكون لديهم امل على الاقل في ان يحصلو على شئ من اموالهم .

ترجمة : مظفر القصيري