موسكو تعدّ أن الزخم الناتج من لقاء بوتين وترامب “تبدد”
أكدت روسيا، الأربعاء، أن الزخم باتّجاه التوصل إلى اتفاق سلام في أوكرانيا بعد الاجتماع بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب في ألاسكا «تبدد»، وكررت تهديدها بالرد بقسوة على صواريخ «توماهوك» إذا تم تزويد كييف بها، في حين أكد الرئيس بوتين، تمسكه بأهدافه في الحرب على أوكرانيا، وذلك خلال اجتماع مع قيادات عسكرية، قائلاً إن الضربات الأوكرانية في عمق الأراضي «لن تفيد كييف».

ونقلت وكالات أنباء روسية عن نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف قوله: «للأسف، علينا أن نقر بأن الزخم القوي الذي تولّد في أنكوريج لصالح الاتفاق… تبدد إلى حد كبير». وحمَّل ريابكوف أوروبا مسؤولية الجمود، متّهماً قادة بلدان القارة بالسعي لخوض «حرب حتى آخر أوكراني».
وقال نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس لشبكة «فوكس نيوز» الشهر الماضي إن واشنطن تدرس إرسال صواريخ «توماهوك» إلى أوكرانيا، في خطوة حذّر بوتين من أنها ستشكّل «مستوى جديداً من التصعيد». وحذّر ريابكوف من أن إرسال صواريخ «توماهوك» إلى أوكرانيا سيحمل عواقب «وخيمة»، وحض واشنطن على إعادة النظر في القرار.

وذكرت وكالة الإعلام الروسية، الأربعاء، عن أندريه كارتابولوف، رئيس لجنة الدفاع في البرلمان الروسي، قوله إن روسيا سترد بقسوة إذا زودت الولايات المتحدة أوكرانيا بصواريخ «توماهوك». وأضاف كارتابولوف: «نحن نعرف هذه الصواريخ جيداً، وكيف تطير، وكيف يمكن إسقاطها، تعاملنا معها في سوريا؛ لذلك لا يوجد شيء جديد». وتابع: «المشاكل لن تواجه إلا أولئك الذين يزودونها ويستخدمونها».
وسعى الرئيس الأميركي جاهداً للتقارب مع بوتين منذ عودته إلى البيت الأبيض، لكنه فشل في انتزاع أي تنازلات تذكر من الكرملين. والتقى الرئيسان في أنكوريج في ألاسكا في أغسطس (آب) لكنهما فشلا في التوصل إلى اتفاق من أي نوع لإنهاء الحرب المتواصلة منذ ثلاث سنوات ونصف السنة. وتعثرت بعد ذلك الجهود الدبلوماسية الرامية لإنهاء الحرب مع تبادل موسكو وكييف ضربات دموية وتقدّم روسيا ميدانياً.

وقال بوتين إن كييف تحاول إعطاء داعميها الغربيين انطباعاً بتحقيق نجاحات عبر هجماتها المضادة، في وقت تجبر قواتها على التراجع على طول خط الجبهة.
وأظهرت لقطات بثها التلفزيون الرسمي الرئيس الروسي مرتدياً بدلة رسمية وهو يحتفل بعيد ميلاده الثالث والسبعين إلى جانب قادة عسكريين يرتدون الزي الميداني.
وبعد سلسلة من الضربات الأوكرانية بالصواريخ والطائرات المسيَّرة، شدد بوتين على ضرورة ضمان أمن المواطنين الروس وحماية الأهداف الاستراتيجية والبنية التحتية المدنية، بما في ذلك منشآت الطاقة. وقال: «هذه هي مهمتنا».
وتشن أوكرانيا هجمات على مستودعات الوقود ومصافي النفط داخل الأراضي الروسية. ورغم أن هذه الهجمات ألحقت أضراراً، فإنها تبقى محدودة مقارنة بالدمار والخسائر البشرية التي سببتها الحرب الروسية المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة.
وقال بوتين، كما نقلت عنه «رويترز»، إن «المبادرة الاستراتيجية ما زالت بيد القوات المسلحة الروسية»، مضيفاً أن القوات الروسية استولت هذا العام على مساحة 4900 كيلومتر مربع و212 قرية داخل أوكرانيا، وهي أرقام لم يمكن التحقق منها بشكل مستقل. وقال: «مهمتنا المشتركة تظل كما هي: يجب أن نضمن تحقيق جميع الأهداف التي حُدّدت للقوات».
من جانبه، قال رئيس الأركان العامة الروسية فاليري جيراسيموف إن الأولوية الحالية للجيش الروسي هي استهداف مواقع إنتاج الصواريخ والطائرات المسيَّرة الأوكرانية، مشيراً إلى تحقيق تقدم للقوات الروسية في مناطق دونيتسك وزابوريجيا ودنيبروبتروفسك.

من جانب آخر، يتوجه بوتين إلى آسيا الوسطى لعقد قمة، الخميس، مع قادة دول المنطقة الغنية بالموارد الطبيعية. وتستضيف دوشانبي قمة بين روسيا والجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى (كازاخستان، قرغيزستان، أوزبكستان، طاجيكستان، وتركمانستان)، هي الثانية من نوعها فقط منذ سقوط الاتحاد السوفياتي في عام 1991. وتشهد علاقات هذه الدول مع الصين تقارباً، وتحتفظ بصلات جيدة مع الغرب. وقالت وزارة الخارجية في كازاخستان لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «إن هذا النموذج (5+1) هو منصة فعالة ومفضلة للتفاعل؛ ما يسمح لدول آسيا الوسطى بمناقشة والتعبير عن مواقفها بشكل منسق بشأن القضايا الإقليمية والعالمية».
وعلى الصعيد الميداني، قُتل ثلاثة أشخاص، الأربعاء، في هجوم صاروخي على منطقة بيلغورود الروسية، في حين قضى اثنان آخران في قصف على مدينة خيرسون في جنوب أوكرانيا، على ما أفاد مسؤولون في البلدين. وقال حاكم منطقة بيلغورود فياتشيسلاف غلادكوف عبر تطبيق «تلغرام» إن غارة استهدفت قرية ماسلوفا بريستان في مقاطعة شيبيكينو على الحدود مع أوكرانيا.
وأشار إلى أن بنية تحتية للخدمات الاجتماعية «دُمّرت جزئياً» نتيجة الهجوم، لافتاً إلى أنّ «أشخاصاً آخرين» قد يكونون «تحت الأنقاض». في الموازاة، أعلن حاكم منطقة خيرسون في جنوب أوكرانيا مقتل شخصين مسنَّين، الأربعاء، في هجوم روسي على مدينة خيرسون.
وخلال ليل الثلاثاء – الأربعاء، هاجمت موسكو أوكرانيا بـ183 طائرة مسيَّرة، أُسقطت 154 منها، وفق سلاح الجو الأوكراني. وقالت هيئة «دتيك» المشغل الرئيسي للطاقة في أوكرانيا، عبر منصة «إكس» إن روسيا هاجمت محطة للطاقة الحرارية، من دون تحديد موقعها؛ ما أدى إلى إصابة اثنين من الموظفين وتسبب في «أضرار جسيمة».

وأفاد حاكم منطقة تشيرنيهيف (شمال) فياتشيسلاف تشاوس باستهداف بنية تحتية للسكك الحديدية ومستودع نفط و«موقع للطاقة» في المنطقة؛ ما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي.
اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي روسيا بالسعي إلى زعزعة استقرار أوروبا من خلال استخدام الطائرات المسيَّرة في أعمال تخريب وإرباك. وقال زيلينسكي في كلمته المصورة، الثلاثاء، إن موسكو تستخدم ما يعرف بـ«أسطول الظل»، ليس فقط لتمويل الحرب عبر نقل النفط بواسطة الناقلات، بل أيضاً «لأعمال تخريب ومحاولات متعددة لزعزعة الاستقرار في القارة الأوروبية». وأضاف: «عمليات الإطلاق الأخيرة للطائرات المسيَّرة من ناقلات النفط تمثل أحد هذه الأمثلة»، مشيراً إلى معلومات استخباراتية حصلت عليها الأجهزة الأوكرانية.

أعلنت الحكومة الألمانية، الأربعاء، أنها ستُخوّل شرطتها إسقاط المُسيّرات التي تعدّها مصدر تهديد، مشيرة إلى أنها تجري نقاشات حالياً مع إسرائيل وأوكرانيا بشأن دفاعات كل من البلدين لمواجهة تحليق مسيّرات فوق مواقع حساسة في عمليات يُشتبه في تورط موسكو فيها. وصرح المستشار الألماني فريدريش ميرتس بأن روسيا «على الأرجح» تقف وراء إطلاق مسيّرات في الأجواء الأوروبية أخيراً، لا سيما تلك التي شلت حركة مطار ميونيخ نهاية الأسبوع الماضي، واصفاً تحليق هذه المسيَّرات بأنه «محاولات لزعزعة الاستقرار».