الجدار الأوروبي .. وملامح الحرب العالمية الثالثة
التطور الهائل في التسليح، والأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي الذي يتقدم بسرعة مضطردة عالميًا، نتج عنه ثقة بزيادة القوة التدميرية للأهداف وبدقة عالية، كذلك تعزيز القدرة على انتقاء الأهداف المهمة والحساسة جدًا.
يقابل ذلك ضعف القدرة الدفاعية تجاه تلك الهجمات، وهذا ما يحدث في الحرب الأوكرانية – الروسية، وحرب الـ12 يومًا بين إيران وإسرائيل.
يُقسّم العالم حاليًا إلى عدة قوى مؤثرة، هي: [الناتو، الصين، روسيا، كوريا الشمالية، الهند، باكستان، إيران، إسرائيل] هل ستقاتل هذه الدول بشكل منفرد، أم ستتمكن من إنشاء وتشكيل تحالفات؟
هناك عدة احتمالات بشأن تشكيل تحالفات، مثال: أولًا: روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران ضد حلف الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة. ثانيًا: الناتو ضد روسيا مع حياد الدول الأخرى. ثالثًا: الناتو ضد الصين. رابعًا: الناتو ضد كوريا الشمالية. خامسًا: أمريكا وإسرائيل ضد إيران. سادسًا: الهند ضد باكستان.
أخطر هذه الاحتمالات إذا سمحت الظروف والتحديات بتشكيلها هو الأول، والأكثر احتمالًا هو قيام الثاني والخامس.
في الوضع الراهن، يسعى “الناتو” لإنشاء منظومة دفاعية ضد “روسيا”، تشمل عدة طبقات لحماية الأجواء والأراضي من الهجمات الروسية. وبالتأكيد، في خضم هذه العمليات الحديثة، تكون قدرة المهاجم أكبر من حيث التأثير على المدافع، وأقل كلفة، وزيادة في التأثير.
تشمل هذه المنظومة الدفاعية: الرصد، والاستطلاع، والتشويش، والقدرة على التدمير، وذلك عبر توظيف الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي من خلال تمكين كافة البيانات بدقة عالية جدًا وحماية الأهداف الحساسة. ولكن هذه العملية تحتاج إلى وقت طويل وإمكانيات عالية جدًا، علمًا أن التفوق سيكون من نصيب القوى التي تتمكن من تطوير قدراتها بشكل أسرع وأدق للطائرات المسيّرة والصواريخ بعيدة المدى. والمقصود بالتفوق هو قدرة الوصول إلى الأهداف بسرعة ودقة عاليتين وقوة تدميرية أعلى.
السؤال الذي يُطرح هنا باهتمام: هل نشهد انتقالًا وتحوّلًا عبر التخلي عن العنصر البشري والقوات التقليدية في الحرب الحديثة؟
واقع التحديات الأمنية الحالي على مختلف أماكن الصراع يمكن تلخيصه بالآتي:
الحرب الروسية – الأوكرانية ستستمر على وتيرتها الحالية، كون لا يوجد تفوق لطرف على حساب الآخر حاليًا، وفق نسبة التعادل التقريبي من جهة استخدام الطرفين لعوامل الأمن السيبراني والطائرات المسيّرة والذكاء الاصطناعي، مع نسبة هامش متباين تمكن أي طرف من تحقيق مكسب معين على حساب الآخر.
إيران – إسرائيل تمتلك إيران القوة الصاروخية المتقدمة وإمكانية للطائرات المسيّرة، ولكن ليس بمستوى القوة المتكافئة مع طرف المواجهة الآخر. وهي لا تمتلك القوة الجوية الفعالة، وليس لها الإمكانية المتطورة في التعاطي مع الأمن السيبراني واستخدام الذكاء الاصطناعي، إذ تكاد تكون محدودة في هذه المجالات المهمة كما هو معمول به في الغرب. أما إسرائيل، فإنها تمتلك قوة جوية متقدمة، ولها توظيف متقدم هائل ومتسارع في مجالات الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، وهي تسعى بمساعدة أمريكا والغرب لاستغلال هذه الموارد لتجميد قدرات إيران الصاروخية. بحسب المؤشرات المتوفرة، تنتظر إسرائيل اكتمال برنامجها الدفاعي والهجومي لكي تشرع بشن الحملة الثانية للحرب على إيران، ومتوقع أن لا يتعدى شنّها فترة الـ3 أشهر القادمة.
الصين لا تسعى إلى الدخول في حرب، ولا تكون حليفة لأي طرف بصورة مباشرة في الوقت الراهن.
كوريا الشمالية تسعى لفرض قوتها، ولكنها غير مؤهلة لخوض حرب ضد الناتو.
الهند وباكستان ليس لديهما القدرة أو الرغبة في الدخول في أي حرب حاليًا، وذلك رغم التقارب الباكستاني السعودي وعقد اتفاقية دفاع مشترك بينهما.
ونتيجة لهذه التطورات المتسارعة، والسعي لتحقيق المصالح ورسم خرائط جديدة، وفرض الهيمنة وزيادة النفوذ، ونظرًا للخروقات التي حدثت أخيرًا من قبل روسيا ضد بعض الدول الأوروبية، قررت هذه الدول إنشاء منظومة دفاعية ضد التهديدات الروسية، وهذه المنظومة ستتكون من ثلاث ارتفاعات، وكالآتي:
الارتفاعات الواطئة ضد الطائرات المسيّرة
الارتفاعات المتوسطة ضد الطائرات المقاتلة والصواريخ متوسطة المدى
الارتفاعات العالية ضد الصواريخ الفرط صوتية
علمًا أن طول الحدود المطلوب تأمينها يتراوح بين 5800 كم إلى 6000 كم، وسيكون على هذه المنظومة استخدام الغارات المسيّرة لأغراض الرصد والاستطلاع والتشويش الإلكتروني، معتمدة في ذلك على الذكاء الاصطناعي لغرض تحليل البيانات وإرسالها بالدقة العالية وفي الوقت المناسب.
والتساؤلات المطروحة في هذا السياق: كم يحتاج إعداد هذه المنظومة من الوقت والتمويل لإنجازها؟ وهل هذه المنظومة قادرة على تأمين الدفاع الجوي لجميع دول أوروبا؟
بالتأكيد، هناك سباق تقليدي بين الهجوم الجوي والدفاع الجوي منذ القرن الماضي وحتى وقتنا الحاضر. وكما تطورت القوة الجوية، هناك تطور في مجالات الدفاع الجوي، ولم يُحسم هذا الجدال في هذا المضمار، وخاصة في الدول العظمى والدول المصنعة لهذه الأسلحة.
وحسب وجهة النظر العسكرية، فإن هذه المنظومة تحتاج إلى عدد كبير من الطائرات المسيّرة التي تغطي الحدود، ومنظومات قيادة وسيطرة للمتابعة ورد الفعل المناسب في الوقت المناسب.
وبما أن المهاجم يمتلك المبادرة والمباغتة في الوقت والمكان، لا بد أن تكون هذه المنظومة متكاملة بحيث تستطيع أن تتنبأ بالوقت والمكان الذي يتم استهدافه، وكذلك أماكن تواجدها قبل الانطلاق لكي تتم معالجتها. وهذا هو السباق بين الطرفين، وستكون النتائج مثمرة في المستقبل القريب والبعيد للطرف الذي يستند إلى الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي بالشكل الفعال.
الفريق أول ركن عبد الوهاب الساعدي