إسرائيل متّهمة أممياً بارتكاب “إبادة جماعية” في غزة
خلصت اللجنة الدولية المستقلة للأمم المتحدة للتحقيق في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومنها القدس الشرقية، إلى أن إسرائيل ارتكبت «إبادة جماعية» بحق الفلسطينيين في غزة، موجهة أصابع الاتهام بالتحريض إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والرئيس إسحاق هرتسوغ، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت؛ مطالبة المجتمع الدولي بوقف هذه الإبادة واتخاذ خطوات لمعاقبة المسؤولين عنها.
ويُعد التقرير الذي أصدرته اللجنة بعد تحليل دقيق للأدلة، أحدث اتهامات بالإبادة ضد حكومة نتنياهو، التي بدأت حملة عسكرية برية سعياً إلى احتلال مدينة غزة، متجاهلة المخاوف المتزايدة عالمياً مما سماه المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك «المذبحة» التي ترتكبها إسرائيل، مطالباً إياها أيضاً بـ«الوقف الفوري» لهجومها البري على مدينة غزة.
وعلى مدار العامين الماضيين، حققت اللجنة الدولية التي تتألف من ثلاثة أعضاء برئاسة المفوضة الأممية السابقة لحقوق الإنسان نافي بيلاي التي عملت قاضيةً في المحكمة الجنائية الدولية لعملية الإبادة في رواندا – في هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 الذي نفذته «حماس» على بلدات وتجمعات إسرائيلية في غلاف غزة والحرب التي بدأتها إسرائيل منذ ذلك الحين.

وخلصت المفوضة الأممية إلى أن السلطات وقوات الأمن الإسرائيلية ارتكبت أربعة من أفعال الإبادة الجماعية الخمسة المحددة في اتفاقية عام 1948 لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها وهي: القتل، والتسبب في الأذى الجسدي أو النفسي الجسيم، وفرض ظروف معيشية متعمدة بهدف تدمير الفلسطينيين كلياً أو جزئياً، وفرض تدابير لمنع الإنجاب.
وعددت بيلاي التصريحات الصادرة عن المسؤولين المدنيين والعسكريين الإسرائيليين، ونمط سلوك قوى الأمن، والتي تشير إلى أن «أعمال إبادة جماعية ارتُكبت بالفعل بقصد تدمير الفلسطينيين في غزة كمجموعة، كلياً أو جزئياً».
ما الدول التي سبقت إسرائيل؟
بذلك تكون إسرائيل قد انضمت إلى دول أخرى متهمة بارتكاب عمليات إبادة لشعوب وأعراق وطوائف محددة في العالم، منها الروهينغا على أيدي الحكام العسكريين في ميانمار منذ عام 2016، والأيزيديين على أيدي تنظيم «داعش» في العراق بين عامي 2014 و2017، وعمليات الإبادة في رواندا عام 1994، والإبادة الصربية ضد مسلمي البوسنة بين عامي 1992 و1995، وفي كمبوديا بين عامي 1975 و1979، والمحارق النازية ضد اليهود في أوروبا.
وقالت بيلاي: «ترى اللجنة أن إسرائيل مسؤولة عن ارتكاب جريمة إبادة جماعية في غزة»، مضيفة أن «هناك نية لتدمير الفلسطينيين في غزة من خلال أعمال تفي بالمعايير المنصوص عليها في اتفاقية الإبادة الجماعية».
وأكدت أن «مسؤولية هذه الجرائم الفظيعة تقع على عاتق السلطات الإسرائيلية على أعلى المستويات»؛ لأنها «دبرت حملة إبادة جماعية لقرابة عامين بقصد محدد هو تدمير المجتمع الفلسطيني في غزة»، مشددة أيضاً على أن إسرائيل لم تمنع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، ولم تعاقب مرتكبيها «من خلال تقاعسها عن التحقيق في أعمال الإبادة الجماعية ومقاضاة الجناة المشتبه بهم».
«نيَّة مبيَّتة»
ويستند التقرير إلى كل التحقيقات السابقة التي أجرتها اللجنة، بالإضافة إلى النتائج الواقعية والقانونية المتعلقة بالهجمات التي شنتها القوات الإسرائيلية في غزة، وسلوك السلطات الإسرائيلية وتصريحاتها منذ السابع من أكتوبر 2023 حتى 31 يوليو (تموز) 2025.
كما استندت النتائج إلى فحص شامل «لأفعال الإبادة الجماعية الأساسية (الفعل الجرمي) ونية الإبادة الجماعية (القصد الخاص)».

ولإثبات أعمال الإبادة الجماعية، درست اللجنة العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، بما تضمنته من قتل عدد لا سابق له من الفلسطينيين، وإلحاق أضرار جسيمة بهم، وفرض حصار شامل، بما في ذلك منع المساعدات الإنسانية مما أدى إلى المجاعة.
كما استشهدت اللجنة بأعمال «التدمير المنهجي لنظامي الرعاية الصحية والتعليم في غزة، وارتكاب أعمال عنف جنسي وعنف قائم على النوع الاجتماعي بشكل منهجي، واستهداف الأطفال بشكل مباشر، وتنفيذ هجمات منهجية واسعة النطاق على المواقع الدينية والثقافية، وتجاهل أوامر محكمة العدل الدولية».
ولإثبات نية الإبادة الجماعية، طبقت اللجنة معيار «الاستنتاج المعقول الوحيد» الذي وضعته محكمة العدل الدولية في قضية البوسنة ضد صربيا. وحللت اللجنة تصريحات السلطات الإسرائيلية، وخلصت إلى أنها دليل مباشر على نية الإبادة الجماعية.
كما حللت نمط سلوك السلطات الإسرائيلية وقوات الجيش في غزة، بما في ذلك تجويع الفلسطينيين، وفرض ظروف معيشية غير إنسانية عليهم، ووجدت أن نية الإبادة الجماعية هي الاستنتاج المنطقي الوحيد الذي يمكن استخلاصه من طبيعة هذه الأعمال.

وقالت بيلاي: «إسرائيل تجاهلت بشكل صارخ أوامر التدابير الموقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية، والتحذيرات الصادرة عن الدول الأعضاء، ومكاتب الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني، وواصلت استراتيجية تدمير الفلسطينيين في غزة».
ولفتت إلى أن «السلطات الإسرائيلية لم تكن لديها أي نية لتغيير مسار أفعالها. بل على العكس، واصلت حملتها للإبادة الجماعية في غزة لنحو عامين».
وأضافت: «يجب على إسرائيل أن تُنهي الإبادة الجماعية في غزة فوراً، وأن تمتثل بشكل كامل لأوامر التدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية».
نتنياهو وهرتسوغ وغالانت
وحمَّل التقرير دولة إسرائيل «مسؤولية الفشل في منع الإبادة الجماعية، وارتكابها، وعدم معاقبة مرتكبيها ضد الفلسطينيين في غزة».
وخص بالذكر كلاً من هرتسوغ ونتنياهو وغالانت باعتبارهم «حرضوا على ارتكاب إبادة جماعية»، مضيفة أنه ينبغي تقييم بقية تصريحات القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين «لتحديد ما إذا كانت تشكل تحريضاً على ارتكاب إبادة جماعية».
وحضت اللجنة الحكومة الإسرائيلية على «الامتثال الفوري لالتزاماتها القانونية الدولية، بما في ذلك إنهاء الإبادة الجماعية في غزة، والتنفيذ الكامل لأوامر التدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية».

وطالبت اللجنة إسرائيل بـ«إنهاء سياسة التجويع، ورفع الحصار، وتسهيل وضمان وصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق على نطاق واسع، ووصول جميع موظفي الأمم المتحدة بلا عوائق، وبينهم موظفو (الأونروا) والمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وكل الوكالات الإنسانية الدولية المعترف بها التي تُقدم المساعدات وتُنسقها».
وأوصت اللجنة الدول الأعضاء بـ«وقف نقل الأسلحة والمعدات الأخرى التي قد تُستخدم في ارتكاب أعمال إبادة جماعية إلى إسرائيل، وضمان عدم تورط الأفراد والشركات في أراضيها وضمن ولايتها القضائية في المساعدة على ارتكاب جريمة إبادة جماعية أو التحريض عليها، واتخاذ إجراءات للمساءلة من خلال التحقيقات والإجراءات القانونية ضد الأفراد أو الشركات المتورطين في الإبادة الجماعية بشكل مباشر أو غير مباشر».
وعبَّرت بيلاي عن أملها في أن يقرأ المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، التقرير، وأن «يسترشدا بالحقائق» الواردة فيه.
«يجب أن تتوقف المذبحة»
وفي اجتماع طارئ لمجلس حقوق الإنسان في جنيف للنظر في الهجوم الذي شنته إسرائيل على العاصمة القطرية الدوحة، الأسبوع الماضي، مستهدفة قادة حركة «حماس»، قال المفوض السامي تورك إن استهداف أطراف مشاركة في الوساطة المدعومة دولياً على أراضيها يُقوض الدور الرئيسي لقطر كـ«وسيط ومُيسّر للسلام».
ولاحظ أن الهجوم الإسرائيلي على الدوحة تزامن مع إجراءات أخرى «تُدمر أي أمل في حل الدولتين». وأضاف أنه بعد مضي عامين على الحرب في غزة «يجب أن تتوقف هذه المذبحة».