وساطة مصرية في “نووي إيران” تُسرع خطوات “التطبيع” بين القاهرة وطهران
تمنح الوساطة المصرية في الملف النووي الإيراني دفعة قوية للعلاقات بين القاهرة وطهران، التي لا تزال، وفق تقدير مصري، في مرحلة «استكشاف آفاق التعاون»، ما قد يؤهلها إلى التوجه نحو مسار «التطبيع الكامل».
وتحدث مراقبون لـ«الشرق الأوسط» عن نقطة «تقارب» الآن، أحدثتها زيارات ولقاءات دبلوماسية على مستويات عليا مختلفة خلال الأشهر الماضية.
ووقّعت إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، الثلاثاء، اتفاقاً في القاهرة لاستئناف التعاون بينهما، برعاية مصرية.
ويأتي الاتفاق الذي وقعه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، «تتويجاً لمسار تفاوضي انطلق في أغسطس (آب) الماضي بوساطة مصرية»، وفق بيان للرئاسة المصرية.

ولم تشغل المفاوضات النووية بين الوزير الإيراني والوكالة الذرية، في القاهرة، الجانبين المصري والإيراني عن مشاورات تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين. فعقب لقائه عراقجي، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي «تطلعه إلى تعزيز التعاون في مختلف المجالات»، كما أشار إلى «أهمية مواصلة استكشاف آفاق التعاون المشترك بما يخدم المصالح المتبادلة ويعزز الاستقرار الإقليمي».
وقطع البلدان علاقاتهما الدبلوماسية عام 1979، قبل استئنافها بعد 11 عاماً، وإن كان على مستوى القائم بالأعمال.
وشهد العامان الماضيان لقاءات بين وزراء مصريين وإيرانيين في مناسبات عدة لبحث إمكانية تطوير العلاقات بين البلدين، بعد توجيه رئاسي إيراني لوزارة الخارجية، في مايو (أيار) 2023، باتخاذ الإجراءات اللازمة لتعزيز العلاقات مع مصر.
أفق تعاون أكبر
برز احتفاء إيراني بالدور المصري في المفاوضات النووية من خلال رسالة «شكر وتقدير» للحكومة المصرية وجّهها عراقجي عبر حسابه على «إكس»، الأربعاء، قائلاً: «تعرب الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن بالغ شكرها وتقديرها لحكومة جمهورية مصر العربية، لدورها البارز والبناء في تسهيل مسار الدبلوماسية».
واعتبر أن التعاون مع وكالة الطاقة الذرية «أصبح ممكناً بفضل مساعي وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ودعم الرئيس عبد الفتاح السيسي».
واتفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» على أن الدور المصري يمكن أن يدفع العلاقات الثنائية إلى أفق تعاون أكبر، غير أن التصعيد المستمر في المنطقة يجعل أولوية القاهرة «إطفاء النيران الإقليمية»، على أن تكون العودة الكاملة للعلاقات الدبلوماسية مرتبطة بهدوء التوترات.
وقال عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري اللواء يحيى كدواني إن بلاده «لديها علاقات متزنة مع جميع دول المنطقة، وتحافظ على الأمن والسلم في الشرق الأوسط، وهو ما تمت ترجمته خلال نجاح الوساطة بين إيران والوكالة الدولية، وسينعكس إيجاباً على مجمل العلاقات الثنائية».
وأضاف في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «مصر لا تعادي إيران، ولديها رغبة في تصفير المشكلات مع الدول التي لديها ثقل في المنطقة».
وعلى مدار الشهور الأخيرة اتخذت إيران خطوات لتعزيز تقاربها مع مصر، أبرزها تغيير اسم «شارع خالد الإسلامبولي» في طهران، وهو الشارع الذي سُمّي تيمّناً بالعسكري المصري الذي اغتال الرئيس المصري أنور السادات عام 1981. وهو إجراء وصفه وزير الخارجية المصري بـ«إشارة رمزية لتعزيز العلاقات».

وأشار اللواء عادل العمدة، المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا، إلى أن مصر وإيران شريكتان في تجمع «بريكس» وفي «منظمة التعاون الإسلامي»، وإلى وجود علاقات سياسية واقتصادية قائمة بينهما ورغبة مشتركة في مجابهة التحديات الأمنية في المنطقة، وهو ما «خلق مسارات للتقارب الأمني أيضاً مع حالة التصعيد في منطقة البحر الأحمر بين الحوثيين وإسرائيل».
وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «الوساطة المصرية في الملف النووي بما لديها من انعكاسات إيجابية على استقرار إيران يمكن أن يقابلها دور من جانب طهران لتصويب السلوك الحوثي وخفض التهديدات في البحر الأحمر؛ بما يعني منفعة متبادلة تسرع من التطبيع».
وتراجعت إيرادات مصر من قناة السويس بنحو 60 في المائة جراء استهداف «الحوثيين» للسفن التجارية العابرة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر.
«أولوية» تخفيف التصعيد بالمنطقة
واتفق الباحث في الشأن الإيراني بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، محمد عباس ناجي، في الرأي القائل إن الوساطة في الملف النووي يمكن أن تعطي دفعة للعلاقات الثنائية، إلا أنه أشار إلى أن القاهرة لديها أولوية آنية نحو تخفيف حدة التصعيد في المنطقة، «ويمكن أن تأتي خطوات التطبيع في أعقاب تهدئة الأوضاع».
وأضاف في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «تطبيع العلاقات وتبادل السفراء ليس أوانه الآن، رغم التحسن الملحوظ في العلاقات، الذي سمح لمصر بلعب دور الوساطة مع الوكالة الذرية».
وسمَّت إيران، في يوليو (تموز) الماضي، مجتبى فردوسي بور رئيساً جديداً لمكتب رعاية المصالحة الإيرانية في القاهرة، وهو ما عدَّه ناجي «خطوة إيجابية بما لديه من مواقف داعمة لتطبيع العلاقات مع مصر».
وأضاف: «تأخر التطبيع لا يرتبط بملفات ثنائية عالقة، لكن بمدى التوافق حول التنسيق في الملفين اليمني والفلسطيني».